دماء صبرا وشاتيلا واستعادة الهيبة الضائعة في ميونخ
خاص شبكة العودة الإخبارية
لماذا لم تتم المجزرة في مخيمات فلسطينية أخرى غير صبرا وشاتيلا كمخيم عين الحلوة أو الرشيدية، حيث لقيت قوات الاحتلال مقاومة عنيفة؟ لماذا صبرا وشاتيلا؟
أسئلة كثيرةٌ تُطرح في هذا الموضوع خاصّةً وأنّ القوات التي ارتكبت المجزرة مرّت بجانب مخيم برج البراجنة وكانت قريبة من مخيم مار الياس ولم ترتكب شيئاً في أيّ منها.يؤكد الكاتب محمود كلّم في كتابه "صبرا وشاتيلا، ذاكرة الدم" من خلال البحث أن المجزرة كان مخططاً لها قبل الاجتياح، وربما قبل عشر سنين؛ أي منذ عملية ميونيخ عام 1972، التي احتجز فيها مقاومون من منظمة أيلول الأسود رهائن إسرائيليين أثناء دورة الأولمبياد الصيفية المقامة في ميونخ في ألمانيا من 5 إلى 6 سبتمبر سنة 1972. وكان مطلب المنظمة حينها الإفراج عن 236 معتقلاً في السجون الإسرائيلية معظمهم من العرب. وانتهت العملية بمقتل 11 رياضياً إسرائيلياً و5 من منفذي العملية الفلسطينيين وشرطي وطيار مروحية ألمانيين.
وفي نظرةٍ دقيقة إلى خارطة المجزرة نجد أنها بدأت من جمعية إنعاش المخيم الفلسطيني، مقابل السفارة الكويتية في حي عرسان. حيث كان الشباب من لاعبي كرة قدم في نادي الكرمل التابع للجمعية. وأن المجزرة ارتكبت في شارع أبو حسن سلامة (حيث كانت منطقة نفوذه ومنظمة أيلول الأسود)، وهو الشارع الممتد من محطة الرحاب باتجاه منطقة جامع الدنا.
ولقد تم قصف مركز جمعية الإنعاش ونادي الكرمل وتدميرهما أثناء الاجتياح بعنف. هذا المركز لم يكن فقط لهؤلاء الذين نفذوا عملية ميونيخ، بل كان مقراً سرياً لمنظمة أيلول الأسود.
يؤكد كلّم في كتابه أنّ الفدائيين الثمانية الذين نفذوا عملية ميونيخ كانوا من سكان حي عرسان في المخيم، وأعضاء بارزين في نادي الكرمل الرياضي، بل إنّ عدداً منهم كان في عداد فريق كرة القدم المشهور في تلك المرحلة، ويبرر بذلك الاستهداف الصهيوني في ارتكاب المجزرة ضد الجمعية والنادي والحي في الأساس.
وينقل المؤلف عن شهادات بعض الناجين أنّ الاسرائيليين لم يساهموا فقط في تطويق مكان العمليات والسيطرة على التوجيه والمتابعة الميدانية، وإنارة مسرح العمليّات في شكل يسمح باستكمال ارتكاب المجزرة وفي استعمال الجرافات لنقل جثث الضحايا إلى حفر أحدثت خصيصاً لهذا الغرض، بل إنّ جنوداً نظاميين من الجيش الاسرائيلي اشتركوا في تنفيذ المجزرة، وأنّ مسرح عملياتهم كان أطراف المخيم، خصوصاً في منطقة الجمعية والنادي وحي عرسان.
ولم يسمح الجيش الاسرائيلي لأفراد من الهيئات الطبية، وخصوصاً الأجنبية منها بدخول المخيم، بل اعتقل بعضهم ونقلهم الى أماكن بعيدة من مسرح الحدث. كما لم يسمح لأفراد كانوا يحملون هويات وعلامات الكتائب من الدخول الى المخيم، خصوصاً من المنطقة الممتدة من مستديرة السفارة الكويتية وحتى تقاطع الرحاب، خوفاً من أن يكون بينهم بعض "المندسين" الذين يمكن أن يتحولوا إلى شهود ضدهم في المستقبل.
إنّ من يقرأ تفاصيل الشهادات التي أوردها أكثر من مصدر، يُدرك مقدار الراحة والبرود الذي تمّت فيه المجزرة على مدى ثلاثة أيام، ومهما حاول الاحتلال لأن يتنصل من المسؤولية فإنه لن يكون مقنعاً في ذلك أبدا.
الصحفية الفلسطينية واختفاء الهوية
يقول أبو جمال المجدوب أحد سكان مخيم صبرا وشاتيلا، عندما انتهت المجزرة ودخل الصليب الأحمر والسكان والصحفيون، دخلت معهم وأخذنا نتجول في طرقات المخيم حيث الضحايا مرتمين في كلّ مكان في مشهدٍ لم أرَ له مثيل من قبل!
فجأةً وجدتُ بطاقة عليها رقم عسكري مكتوبٌ باللغة العبرية، مما يثبت بالدليل القاطع أنّ من بين القتلة جنود إسرائيليين إضافة إلى ميليشيات لبنانية يمينية متطرفة.
لكن إحدى الصحفيات واسمها "ليلى شهيد" أرادت إقناعي لتأخذ الهوية فقالت لي «أنا فلسطينية مثلي مثلك بدي أعرضها على الفضائيات عشان يعرفو إنو إسرائيل هيي لقامت بالمجازر». صدقتها وأعطيتها الهوية، ووعدتني أن تأخذ نسخة عنها من أحد المكاتب المجاورة في الطريق الجديدة وتعيدها لي على الفور.. لكنها اختفت ولم أرها بعد ذلك أبداً، ولم أر الهوية تُعرض ولا على أي شاشة عربية أو أجنبية.
مع ليلى التي أصبحت اليوم سفيرة فلسطين في الاتحاد الأوروبي اختفى الدليل الحسّي القاطع على مشاركة الاحتلال في المجزرة حينها، وظلت ذكرى الهوية متداولة لكل من ينقل شهادة المجدوب منذ 33 عاماً.
المهم هنا أن لا ننسى نحن دم شهدائنا المسفوح في صبرا وشاتيلا.. أن لا ننسى من خان وغطى عن الحقائق ومن لم يُحاسَب، والمهم أيضاً أن يظل شهداء صبرا وشاتيلا حافزاً لنا لمواصلة الكفاح حتى تحرير ترابنا الوطني السليب... كما قال أحد الناجين من المجزرة.