"صالون وليد".. حكاية حلاّقٍ فلسطينيّ أبدع "بالفن الساخر" وصف اللجوء
هبة الجنداوي- صيدا
تقرير العودة
أن تكون حلاّقًا يعني أن تكون قريبًا من الناس.. كثيرُ الكلام معهم كذلك كثير الاستماع لأحاديثهم ومشاكلهم ومغامراتهم اليومية، وفي أحيانٍ عديدة تضطرّ لتُسدي لهم النصيحة حول مشكلةٍ تواجههم، انطلاقًا من خبرتك في الحياة وتفاعلك مع العالم. لكن، كيف لو كنتَ تعمل حلاّقًا في بلاد الاغتراب حيث قد تغدو مقصدًا لأبناء جاليتك والجاليات الأخرى القريبة منك؟...
فمن هنا بدأت حكاية الفنان الفلسطيني الساخر وليد العلي.
وليد شّابٌ فلسطينيٌّ ثلاثينيّ من مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين جنوبي لبنان، كان كغيره من الشباب الفلسطيني في لبنان يسعى للهجرة إلى أيّ بلدٍ أوروبي يحتوي آماله وأحلامه وكرامته للعيش كإنسانٍ له حقوقٌ محفوظة. فداخل جدران المخيم ذاك كان وليد يشعر أنّ حياته قد توقّفت عن المسير، وأحلامه دائمًا ما كانت تصطدم بصعوبة تأمين لقمة العيش والحصول على عملٍ دائمٍ غير متقطّع.. إلى أن سنحت له الفرصة في أن يهاجر إلى ألمانيا، فكان له ذلك في عام 2003.
هنا بدأت القصة..
مع وصوله إلى ألمانيا بدأ وليد يعمل حلاقًا متجولاً على المنازل والهايمات، ثمّ كوّن نفسه وطوّر عمله إلى أن استطاع في العام 2013 أن يمتلك محل صغير ليكوّن "صالون وليد" للحلاقة. هنا بات العلي مقصدًا للكثير من الفلسطينيين المقيمين في العاصمة برلين، ومعها صار وليد يستمع لأحاديثهم اليومية وقضاياهم ومشاكلهم المتعلّقة بالحصول على الإقامة والسكن في الهايم، التشتّت الفلسطيني وغياب دور الكثير من المؤسسات الفلسطينية في أوروبا.. فكان ذلك محفزًا له لتناول تلك المشاكل في فيديوهات ساخرة بصوته وبأسلوبٍ كوميديّ.. فكان لأول تسجيلٍ له حول مشكلة لاجئٍ يعيش في هايم وكلّ طموحه أن يحصل على بيتٍ يأويه، أن انتشر بشكلٍ واسعٍ خاصةً بين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
وفي حديثٍ مع شبكة العودة الإخبارية يقول العلي "تفاجأتُ بمدى وصول التسجيلات وحجم الإعجاب الذي لاقته بين أهلي في مخيمات لبنان، حتى أنّي عندما وصلتُ إلى لبنان قبل مدة قصيرة تلقّيتُ اتصالات تهنئة من شخصيات سياسية ووطنية وشعبية فلسطينية لم أكن أعرفها من قبل. أمّا في ألمانيا فلم ألقَ أيّ رد من أحد عن التسجيلات ولا حتى كلمة تشجيع".
فقد يكون ذلك عائدٌ لكون تلك التسجيلات تمسّ وترًا حساسًا في حياة اللاجئين هنا في مخيمات لبنان وسط الحياة التعيسة والحرمان الواضح.
وفي قضيّةٍ حسّاسة، يستغرب العلي حجم التشتّت الذي يطغى على حياة الفلسطينيين في ألمانيا، حيث يعيش كل واحدٍ منهم حياته الخاصة في بعدٍ تام عن غيره من أبناء وطنه، وحتى عن من كانوا جيرانه في أحياء المخيم. كما ويستغرب بنفس القدر ذلك التغيّر في طبيعة تفكير الكثير من الفلسطينيين المغتربين لجهة التعالي على أهلهم ممن يقطنون المخيمات، ورفضهم تزويج بناتهم إلاّ لأشخاصٍ يحملون الإقامة أو الجنسية، وإلاّ فإنّ "العريس طمعان بالإقامة"، حسب قول العلي.
جميع تلك القضايا كانت محفّزًا لوليد ليسجّل وبصوته وبأسلوب نقديّ ساخر بعض المشاهد التي رسمها بمخيّلته من خيوط الواقع ليعكس للعالم حقيقة الأشياء، رغم أنّه لم يكمل في مسيرته العلمية الصف الثامن من المرحلة المتوسطة.
ويشير العلي لشبكتنا "طابع الكوميديا هو العنصر الذي حبّب الناس في شخصيتي، فلمسات الحزن والتعاسة التي تطغى دائمًا على أيّ عمل يتعلّق باللاجئين باتت منفرًا للمشاهد وذلك لكثرة المآسي وتناثرها في كلّ مكان، أمّا طابع الكوميديا فمن خلاله يبدو المشهد أكثر فعاليةً في إيصال رسالتنا للمستمعين".
لم يكن ذلك الشاب الفلسطينيّ يعلم أنّ مخيلته تلك النابعة من حقيقة الواقع الفلسطيني المرّ ستكون سببًا في شهرته يومًا ما على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنّه اليوم يعلم جيدًا أنّه لن يتوقّف عن تناول المزيد من القضايا وبذات الأسلوب، ولن يتوانى عن المشاركة في أيّة فعالياتٍ فلسطينية قد يُدعى ليكون أحد مشاركيها، بل وسيعمل كذلك على تطوير العمل في المستقبل ليكون قائمًا على "الأنيميشين"، من خلال شخصيّةٍ تتجوّل داخل أزقّة المخيم ليُكوِّن معها "أنِمِي المخيم" من قلب المأساة...