«الحلقة السادسة عشر» من سلسلة يوميات لاجئ
بقلم الكاتبة ياسمين محمد- خاص العودة
كانت ربى على موعد مع مقابلةٍ في مؤسسة إعلامية، وكانت تطمح أن تنال وظيفة جيدة تخفّف عنها أعباء مصاريف العائلة، ولكن هل كانت تعتقد لوهلة أنّ كل ذكائها وأسلوبها الشيّق في الحديث وطريقة الإجابة عن الأسئلة لن يكونا سببًا مهمًا يدفع المؤسسه لاختيارها؟ !
كانت صراحة المسؤول بمثابة صفعة قوية على وجهها، فهو بحاجة لتوظيف جنسيات أخرى، أو بالأحرى ليس بحاجة لموظفة فلسطينية حاليًا!
إبتسمت ربى في وجه عليّ وهي تحدثه بخيبةٍ عمّا حدث معها في صباح ذلك اليوم، وعاد عليّ ليكمل دروسه عند ربى بعد انقطاع، وأخذ الإثنان يتحادثان عن كافة الظروف التي مرّ بها عليّ حتى الآن. وبالطبع كان لربى ذلك الدور الفعّال أيضًا في النّقلة الفكرية النوعية التي طرأت على حال عليّ حيث أصبح أكثر إصرارًا على تحدّي فقره وازدادت روح المثابرة لديه في التحصيل الدراسيّ وهو ما أزعج زميله أحمد قليلاً في بادئ الأمر، ولكنه سرعان ما تقبّله بروح رياضية.
وضمّ عليّ يديه إلى ربى دون تخطيط مسبق في عملية التشجيع والتحفيز، فلم تعد ظروف عليّ القاتمة سببًا لاشمئزاز البعض، وفكرة ذهابة كل يوم للعمل مع والده في فرز النفايات خارج المخيم أصبحت أمرًا شخصيًا يعكس قوة الشخصية وعدم الخجل من ظروف فُرضت على العديد من الفلسطينين في المخيمات أو خارجها.
وبقي ذلك الولد يحلُم ويحلُم ويرفض الانصياع لظروفه الكئيبة، بل إنّ موت جدّته أعطاه من حيث يدري أو لا يدري ذلك الإحساس الغريب الذي دفعه لشقّ طريقه من بيت سقفه الزينكو، ومن أبٍ لم يجد غير النفايات ليعيل أسرته ولو بالجزء اليسير، ومن أمٍّ ارتضت بالكثير من الإهانات فقط لتطعم طفلين جائعين، متمنيةً أن يتسلحا بسلاح العلم الذي عجزت هي ووالده عن الحصول عليه..
عاد عليّ مساءًا إلى المنزل ليجد ابتسامة عطفٍ وحنان وشموخ تحدّثه بإصرار "لن أسمح لك يا عليّ ولا لأخاك أن تتركا المدرسة مهما حصل، وتذكّرني أنا وأباك ذلك المثال الحي، فلولا ذلك لكانت ظروفك أفضل ولكنني أؤمن بأنكما ستصبحان رجال الغد"....
#يوميات_لاجئ منكم ولكم.. تابعونا
لقراءة الحلقة السابقة: