«الحلقة الثالثة» من سلسلة يوميات لاجئ
بقلم الكاتبة ياسمينا- خاص العودة
أخذ عليٌّ يركض بسرعة، ولكن هذه المرة لم يتّجه إلى المنزل كما اتّفق مع والدته، فقد وجد نفسه يحوّل مساره نحو السوق.
إختلطت أفكاره مع أصوات الباعة المرتفعة التي شعر بصداها يخترق أذنيه المثقلتين بالألم، وتذكّر في تلك اللّحظات والده الغارق في المستوعبات ومياه الأمطار الغزيرة، مما زاد الأمر سوءًا في نفسه!
لم يكن عليّ يشعر بالاطمئنان إلاّ في أحضان جدته يشاطرها أحاديثه وخلجاته، وما يواجهه في المدرسة حين يصرخ المعلم في وجهه مؤنبًا تقصيره المتواصل، وحين لا يجد في المدرسة حضنًا دافئًا سوى حضن المرشد المدرسيّ يشجعه ويحفّزه بالألعاب والقصص على تخطّي فشله الدراسي.
وكم تمنى عليّ أن يكون ذلك المرشد أستاذه ولو لساعاتٍ أو حتى دقائق تجعله يشعر بالرضى عن نفسه ولو قليلًا، وعن مهاراته المطمورة مع عالم التنك والحديد.
فعليّ لطالما تمنى أن يخرج من براثن هذا المخيم الضيّق ليعيش في عالمه الخاص، بعيدًا عن كافة أشكال الألم والفقر والمعاناة. ولطالما تمنى أن يكون أباه ذا منصبٍ رفيع المستوى، يصول ويجول في أنحاء المخيّم مع مرافقيه يحلُّ المشاكل ويرخي ستار الأمن والأمان!
وقف عليّ أمام عتبة منزل جدته السبعينية.. لم تستغرق لتفتح له الباب سوى لحظاتٍ فقط، وأطلّ الوجه الباسم يحضن عليًّا ويغرقه في بحر من الدعوات والأمنيات.
كان كوب الشاي الدافئ جُلّ ما يطمح إليه عليّ في تلك اللحظات المترابطة بفرحة لقاء جدته، وبغصةٍ لترك والده وحيدًا يخوض معترك الحياة!
حاول عليّ أن يتناول بعضًا من الطعام عند جدته، فكانت "شوربه العدس" من أجود ما تقدّمه له جدته في هذا الطقس وفي ظرف المرض ذاك.
خرج عليّ مودّعًا جدته ومتجهًا نحو الروضة، فهو ورغم مرضه لن يتقاعس عن واجبه اليومي في اصطحاب ياسر الصغير إبن الأربعة أعوام من الرّوضة ليوصله بأمانٍ نحو المنزل.
وكعادته أتمّ المهمة على أكمل وجهٍ ولم ينسَ أن يبتاع لياسر كيس الشيبس المعهود والمدفوع ثمنه مسبقًا من الجدة، فقد اعتادت جدته أن تخبئ له جميع القطع النقدية الحديدية من فئة الـ 250 والـ 500 لحين زيارته الأسبوعية، حيث يتقاسمها مع ياسر ويريح أباه من دفع المصروف لهما لمدة يومين..
(يتبع)
#يوميات_لاجئ منكم ولكم.. تابعونا
لقراءة الحلقة السابقة: