أعلام الثقافة في فلسطين (6)
المؤرّخ الرّاحل "عارف العارف" شيخ مؤرخي فلسطين
تقرير العودة
يعدّ المؤرّخ والصحفي والسياسي الفلسطيني عارف العارف، من أشهر مؤرّخي فلسطين، إذ خلف عددًا من الكتب القيّمة التي تناولت فلسطين تاريخيًا وجغرافيًا واجتماعيًا ونكبة عام 1948.
وما يبدو واضحًا أنّ العارف كرّس جهده كلّه في خدمة فلسطين، فجلُّ الكتب التي كتبها عن الفردوس المفقود، وما من مؤرّخٍ فلسطينيّ في هذا القرن أو في القرن السابق إلاّ ولعارف العارف فضلٌ عليه.
وُلد عارف العارف في مدينة القدس عام 1892، وأكمل دراسته الابتدائية فيها ثم رحل إلى إسطنبول عاصمة الخلافة العثمانية آنذاك، حيث كان يرحل أكثر النابغين في التحصيل الدراسيّ، إذ كانت تعدّ إسطنبول حاضرة العالم الإسلامي وقتئذ، وأتمّ دراسته الثانوية في إحدى مدارسها حتى عام 1910، ثم انتسب لكلية الآداب في جامعة اسطنبول.
وأثناء دراسته مارس العارف الصحافة في جريدة بيام "الرسالة التركية. وفي عام 1913 تخرّج من الجامعة، وحصل منها على شهادة في الإدارة السياسية، وعُيِّن بعد تخرجه في ديوان الترجمة بوزارة الخارجية في اسطنبول.
ومثل كثيرٍ من الشبان العرب، إنتسب المؤرّخ الفلسطيني إلى المنتديات العربية وكان نصيبه في "المنتدى الأدبي" إذ كانت البلاد تعجّ بالأحداث السياسية الفارقة في جوٍّ من الضبابية السياسية التي ما كانت واضحة لكثيرٍ من الناس.
وإبّان نشوب الحرب العالمية الأولى عام 1914، دخل العارف الكلية العسكرية وتخرّج منها برتبة ضابط. وأُرسل إلى القفقاس للاشتراك مع الجيش العثماني في الحرب القائمة بين العثمانيين وبين الجيش الروسي، وهناك نشبت معركة ضارية بين الجيشين أسفرت عن إبادة الفرقة التركية التي كان عارف يعمل في صفوفها، ولم ينجُ من أفرادها سواه وعشرة آخرين.
وقتها وقع العارف في أسر الروس، فأرسلوه إلى سيبيريا حيث قضى على مقربة من مدينة "كراس نويا رسك" أسيرًا ثلاث سنوات (1915-1917)، تعلّم خلالها اللغة الروسية من الضبّاط والجنود الروس الذين كانوا يحفرون ذلك المعتقل، كما تعلّم الألمانية من الأسرى الألمان والنمساويّين الذين كانوا معه في الأسر. وقد تمكن وهو معتقل من ترجمة كتاب "ويلت زاتجل" إلى التركية للمؤلف الألماني، آرنست هيغل.
وبالرغم من قساوة الأسر ومرارة الغربة إلاّ أنّ الكتابة كانت تسري في دمه فأصدر هناك جريدةً عربية هزليّة بخطّه سمّاها "ناقة الله" صدر عددها الأول في تموز (يوليو) 1916، والعدد الخامس والأربعين وهو الأخير منها في حزيران (يونيو) 1917.
مناضلٌ ضد الانتداب..
قصد المؤرّخ الفلسطيني القدس وهناك أصدر مع حسن البديري جريدة "سوريا الجنوبية"، وقد حمّلا فيها على الانتداب البريطاني والصهيونية، وفضحا النوايا الخبيثة تجاه فلسطين.
وحين نشبت أول ثورة للعرب ضد الانتداب البريطاني واليهود في بيت المقدس عام 1920، إعتبر الإنجليز عارف محرّضًا على تقتيل اليهود، فأودعوه السجن، لكنّه بعد ثلاثة أيام لاذ بالهرب مع الحاج أمين الحسيني إلى مدينة الكرك، ثم قصدا دمشق والتحق بالملك فيصل عام 1920، واشترك في المؤتمر السوري ممثلاً لأهل فلسطين وحكم عليهما غيابيا بعشرة سنوات بتهمة التحريض على أعمال العنف.
أسّس العارف مع نفر من إخوانه الفلسطينيين في سورية جمعية "الجمعية العربية الفلسطينية"، وانتُخب عارف سكرتيرًا لها. ولمّا احتلّت فرنسا سورية بقيادة الجنرال غورو. وبعد معركة ميسلون غادر دمشق مع لفيف من إخوانه المناضلين إلى الأردن خشية أن تسلّمهم السلطات الفرنسية إلى السلطات البريطانية. فعاش في مدينة السلط متخفيًا، حتى صدر العفو عنه من المندوب السامي، فعاد إلى القدس وحاول ممارسة السياسة مرة أخرى فلم يسمح له الإنكليز بذلك.
إثراء الخزانة العربية بالمؤلّفات..
وبالإضافة إلى تعمّقه في التاريخ فقد أجاد من اللغات بالإضافة للعربية التركية والعبرية والفرنسية والألمانية والإنكليزية والروسية. وزوَّد الخزانة العربية بعدة مؤلفاتٍ منها، "أحداث رفح ومأساة البدو من أهلها"، "أسرار الكون، تأليف آرنست هيغل" نقله إلى اللغة التركية، "الدور الفلسطينية التي هدمها الفلسطينيون"، "الفلسطينيون المبعدون عن بلادهم"، "الفلسطينيون في سجون إسرائيل"، "القضاء يبن البدو"، "المسيحية في القدس"، "المعذبون في السجون الإسرائيلية من أبناء فلسطين"، "المفصل في تاريخ القدس"، وغيرها العشرا من المؤلفات.
واتسمت كتابات المؤرّخ الفلسطيني التاريخية بالموضوعية فلم ينحز لأي فريق ولم ينتصر إلاّ لفلسطين ويعدّ بحق شيخ مؤرخي فلسطين بسبب إنتاجه الغزير وكتابته لموضوعات لم يسبقه أحد إليها كالكتابة عن القبائل الفلسطينية في بئر السبع، وعن نظام القضاء فيها وعن مدن لم يتطرق لها إلا القليل من المؤرخين كعسقلان وغزة والنقب.
لم يغادر عارف العارف فلسطين بعد الاحتلال الإسرائيلي، وأقام في مدينة رام الله إلى أن توفّي في 30 تموز (يوليو) عام 1973.
بتصرّف عن موقع الركن الأخضر
أضف تعليق
قواعد المشاركة