بين جنوبين .. هجرة من سورية الى تركيا بـ " التقسيط"

عائلة تجتمع في حديقة السوريين وتفرقها الثانية عشرة ليلاً

منذ 10 سنوات   شارك:

ماهر حجازي- اسطنبول

قصف صاروخي يدمر منزل العائلة، أحلام تتبدد ومعاناة تتمدد، من أزقة المخيم إلى شوارع المدينة، من مناطق المعارضة إلى أراضي النظام، فحواري اللجوء والتشرد.

هل سمعتم من قبل عن هجرة عائلية بالتقسيط، إن كنتم لم تسمعوا بها، فها أنا أقصّها عليكم، هي حكاية الفلسطيني اللاجئ إبراهيم أبو عاتوق ابن مخيم درعا للاجئين الفلسطينيين جنوب سورية، الهارب من جحيم الموت إلى غياهب المجهول هنا في الجنوب التركي.

يقول ابراهيم بلسان الألم لشبكتنا "دمر منزلنا في القصف على المخيم، خرجت مع عائلتي إلى المربع الأمني في درعا، عملت هناك مديراً لمدرسة وراتبي 30 ألف ليرة سورية، أدفع غالبيته لإيجار المنزل، واعتاش على ما يتوفر منه والمساعدات المقدمة لنا".

معاناة أخرى في حياة ابراهيم وأسرته، نجله الأكبر الطالب في الإعدادية يعتقل ويسجن 45 يوماً، يجبر الوالد المكلوم على دفع مبالغ باهظة للإفراج عنه، وينجح في ذلك.

هنا أدرك ابراهيم وجوب الهجرة عن الديار، هم اليوم محاصرون وممنوعون من الخروج من المنطقة دفعة واحدة، فلا بدّ من خطة بديلة للنجاة بأنفسهم.

اتخذت العائلة قرارها بالسفر، الإبن سيكون أول الراحلين، وكالعادة المال يصنع المستحيل، لتبدأ الرحلة التي لا تحمل في طياتها أي من معاني الحياة، ويصل إلى مدينة حمص بسلام ويقيم عند أقارب له.

بعد أسبوع يحين دور الشقيقتان في الوصول إلى عاصمة الأمويين الحزينة دمشق، ليلتحق بهم الوالد المثقل بالهموم والأم المريضة.

دمشق احتضنت لقاء العائلة، وتجهزت لمواصلة الطريق إلى تركيا، هنا يجبرون على بيع ملابسهم وأغراضهم الشخصية، لسد النقص في المال الذي يحتاجونه للسفر.

واصلت العائلة طريقها إلى حمص، لتلتقي ابنها هناك، ابراهيم المنهك يتفق مع مهرب لإيصاله الى تركيا عبر ريف حلب، لكن المهرب أخل بالاتفاق.

إبراهيم يغير مسار الرحلة ويقرر التوجه إلى الرقة، وفي آخر حواجز النظام بين حماه والرقة، مُنِعوا من استكمال الطريق لأنّهم فلسطينيون، والفلسطيني ممنوع من مغادرة سورية " حرصا على حق العودة".

ساعات طويلة قضاها ابراهيم وعائلته في الصحراء، حتى سمح لهم بمواصلة الرحلة، وصولا الى الرقة.

هناك في الرقة قضوا يوماً كاملاً في منزل أقاربهم، لا يخرجون منه حرصاً على سلامتهم، وفي السابعة صباحاً من اليوم التالي تابعوا طريقهم إلى قرية خربة الجوز على الحدود السورية التركية وصلوها في الثامنة والنصف مساء.

هناك بدأ فصل جديد من المعاناة، تجار البشر الذئاب التي لا ترحم، أخذوا يتاجرون بمعاناة ابراهيم وعائلته، مستغلين عشقهم للحياة، واستقر المقام بـ 40 دولارا للفرد أجرة تهريبه عبر الجبال والأحراش إلى داخل تركيا.

ثلاث ساعات عصيبة وكأنهن الدهر، قضاها إبراهيم وأسرته مشياً على الأقدام، يعتلون الجبال وينزلون الوديان، تتخبطهم أغصان الشجر يُمنةً ويسرة، زوجته المريضة لا تقوى على المسير، التعب والإرهاق على الجميع، أمتعتهم لا مكان لها الآن القوها في الطريق وفيها من الذكريات الكثير.

الآن هم في أول قرية تركية، صعدوا الحافلات إلى انطاكية، تعرضوا للنصب والاستغلال مرة أخرى من خلال ثمن تذكرة الركوب التي كانت مضاعفة.

وصلوا أنطاكية وكانوا فيها غرباء، فلا أحبة هنا ولا خلان، باتوا ليلتهم الأولى في كراج المواصلات، مع الصباح هاموا على وجوههم، قصدوا حديقة تسمى (حديقة السوريين)، وما يملكه ابراهيم في جيبه 200 ليرة تركية.

الجوع والإرهاق يفتك بهم، والغربة تذبح أفئدتهم، والحيرة تضرب عقولهم، أين يذهبون ماذا يفعلون، وبينما هم في هذه الحالة يقترب منهم رجل من سورية، يسألهم ويتعرف على معاناتهم، فيدعوا الزوجة والبنتان إلى بيته عند زوجته، بينما ابراهيم وابنه والسوري يبيتون في منزل آخر.

ومنذ ذاك اليوم وحتى الآن تتجمع أسرة ابراهيم في حديقة السوريين، يتبادلون أخبارهم ويتناولون الطعام، وما أن تقرع الثانية عشرة ليلا حتى يغادروا متفرقين على أمل اللقاء غداً ايضاً في حديقة السوريين. 



السابق

فلسطينيون وأجانب ينفذون مسيرة تضامن مع القدس في قبرص

التالي

الاحتلال يستهدفف مواقع للمقاومة في غزة بغارتين


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

غزة.. حين انقلب التاريخ من مهبط الرسالات إلى مهبط الطائرات!

في الأزمنة البعيدة، كان الشرق الاوسط  قلب العالم، ونافذة السماء إلى البشر، ومسرح الوحي الذي غيَّر وجه التاريخ. على هذه الأرض مشت… تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    معايدة رمضانية 

تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

 رمضان كريم 
نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى.

كل عام وأنتم بخير 
    معايدة رمضانية  تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.  رمضان كريم  نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى. كل عام وأنتم بخير