على جامعة الدول العربيّة عدم الانجرار للضغوط على حساب لبنان
لبنان يُؤكّد على رفض التوطين بشكل قاطع
وصلت جهود السلام التي يقوم بها وزير الخارجية الأميركي جون كيري بين الفلسطينيين والإسرائيليين الى طريق مسدود بفعل الانقسامات داخل حكومة بنيامين نتنياهو بسبب معارضة بعض المتشدّدين داخلها القيام بأي تنازلات جوهرية أو بالأحرى «رفض قيام دولة فلسطينية مستقلّة» جنباً الى جنب دولة إسرائيل.. وهذا الرفض رغم كلّ المواثيق والقرارات المتعلّقة بحقوق الشعب الفلسطيني ومنها حقّ العودة الى دياره، يعني بحسب أوساط سياسية متابعة أنّه الى جانب خسارة من تبقّى من الفلسطينيين في الأراضي المحتلّة للجزء الأكبر من أرزاقهم وبلداتهم ومنازلهم بفعل استكمال الاستيطان، وافتقارهم لأبسط حقوقهم نظراً لسيطرة الجانب الإسرائيلي على حياتهم اليومية والمعيشية، فإنّ اللاجئين الفلسطينيين قد يخسرون أيضاً «حقّ العودة والتعويضات التي تترتّب عليه».
وإنّ خسارة «حقّ العودة والتعويضات» يعني «توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول المضيفة لهم»، وعلى رأسها لبنان، ما يطرح علامة سؤال كبيرة حول إعادة إحياء المخطط الغربي الذي سعت اليه بعض الدول الكبرى منذ فترة تضيف الاوساط والذي يقضي بتوطين هؤلاء اللاجئين غير أنّه جوبه بالرفض المطلق من قبل دول معنية عدّة، فتراجع البحث فيه لسنوات، ليُعاد اليوم طرحه، علّه يدخل في التسوية التي تحاول إسرائيل والدول الداعمة لها مثل الولايات المتحدة الأميركية انتزاعها من فلسطين بعد أن احتلّت ثلاثة أرباع أراضيها، وسيطرت عليها سيطرة شبه تامة.
ولكن أمام هذا الوضع السيئ، لا يسع لبنان أيضاً حكومة وشعباً، إلاّ التمسّك من جهة بحقوق اللاجئين الفلسطينيين الذين يستضيفهم منذ العام 1948 وما بعد ولا سيما بحقّ العودة، ومن جهة ثانية بحقّ لبنان المقدّس في «رفض التوطين» لأنّ الحرب نشبت منذ العام 1975 بسبب القضية الفلسطينية، ومنذ ذلك الحين حتى يومنا هذا لم يعرف لبنان الهدوء والأمن والاستقرار نظراً لوجود اللاجئين الذين استضافهم على أراضيه «بشكل مؤقت»، وما جلبوا اليه معهم من مشاكل ومعاناة على الصعد كافة.
وتقول الأوساط أنّه لا حاجة للتذكير بما تحويه المخيمات الفلسطينية من بؤر أمنية وما تستتبعه من خطر مباشر على المناطق القائمة فيها، بعد أن تحوّلت من أماكن لجوء إنساني الى مأوى للفصائل المسلّحة ولمخازن أسلحتها. ولهذا فإنّ كلّ ما قام به لبنان على مدى العقود الماضية، يصبّ في خانة التعاطف مع حالة إنسانية يمثّلها الشعب الفلسطيني الذي هجّر قسراً من وطنه، ولكن أن تتسبّب قضيته وبعد 66 عاماً بمشكلة أكبر على لبنان، فإنّ هذا الأمر هو مرفوض تماماً من قبل الحكومة اللبنانية.
ولهذا يصرّ وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل من خلال الرسالة التي وجّهها الى جامعة الدول العربية ووزير خارجية فلسطين لإبلاغهما تحفّظ لبنان وعدم موافقته على القرار ورفضه أن يقتصر التصحيح على ديباجة القرار، وللإشارة بشكل صريح لمسألة «رفض توطين الفلسطينيين في لبنان» في القرار الأخير لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية الذي عُقد أخيراً في القاهرة. وانطلاقاً من موقف لبنان الرافض للتوطين، أكّد الوزير باسيل على «رفض أي معاهدة بين إسرائيل وفلسطين لا يمكن أن تنسحب على لبنان»، أي لا تلحظ رفضه المطلق والنهائي للتوطين.
وتكشف الأوساط بأنّ إغفال القرار الأخير للجامعة، العبارة التي تنص على «رفض لبنان توطين الفلسطينيين على أراضيه» قد يكون مقصوداً لا سيما وأنّ بعض الدول المضيفة لهم مثل الأردن قد توافق مع الولايات المتحدة على فكرة توطينهم فيها، خصوصاً وأنّ غالبية سكّانها من أصل فلسطيني ولا يُشكّل هؤلاء أي مشكلة بالنسبة للمملكة الأردنية، لا سيما إذا ما جرت تسوية بين الجانبين الأميركي- الأردني تقضي بإبقاء الملك عبد الله بمنأى عن «الثورات الشعبية لتغيير النظام فيها» مقابل إبقاء اللاجئين الفلسطينيين حيث هم. علماً أنّ المخيمات الفلسطينية في الأردن، وإن كانت قائمة في بقع معينة من المملكة إلاّ أنّها مشرّعة الأبواب يمكن لمن يشاء عبورها وإكمال طريقه نحو أي منطقة أخرى.
ولأنّ وضع لبنان يختلف كلياً بالنسبة للمخيمات الفلسطينية «المغلقة» حتى على وجود الشرعية داخلها وهي تعجّ بالفارين من وجه العدالة، كما بالفصائل المسلّحة والأسلحة، فإنّ مجرد طرح فكرة التوطين في لبنان تقول الاوساط تختلف في أبعادها كافة عن مسألة توطينهم في الدول المضيفة الأخرى حيث لا يثرون أي مشكلة لا أمنية ولا ديموغرافية ولا إجتماعية وغير ذلك.. ومن هنا، على اللاجئين الفلسطينيين تطبيقاً للقرارات الدولية التي تنص على حقّ العودة ولا سيما منها القرار 194، تسليم أسلحتهم للدولة اللبنانية والعودة الى ديارهم لكي يكونوا منصفين بحق البلد الذي استضافهم طوال السنوات الماضية.
كما أنّ المطلوب تضيف الاوساط من جامعة الدول العربية دعم وجهة نظر لبنان في هذا الإطار، وعدم الانجرار لبعض الضغوطات السياسية التي تهدف الى إعادة الحقوق للفلسطينيين ولكن على حساب لبنان.
المصدر: وكالات
أضف تعليق
قواعد المشاركة