هدأت في مخيّم عين الحلوة، أمس. إلا أن ذلك لم يمنع من أن يعيش أبناؤه يوماً حذراً قطعه بين الوقت والآخر رصاص من هنا وقنبلة يدوية انفجرت هناك.

في المقابل، كان هؤلاء يشيّعون قتلاهم ويتفقّدون الخراب والدمار اللذين حلّا على ممتلكاتهم وأرزاقهم خلال الجولة الاخيرة من الاشتباكات.

ولكنّ هدوء المخيم الحذر، لم يكن نفسه على الساحة السياسية التي اشتعلت على خلفيّة الطرح لعقد اجتماع في المدينة يطرح هواجسها على ضوء الآثار السلبية التي خلّفتها تلك الجولة من أضرار على المدينة في شتى المجالات الأمنيّة والسياسية والاقتصادية والوطنية.

وتؤكّد القوى الوطنية والفعاليات الاهلية في صيدا أنّ المطلوب اليوم هو «تسمية الاشياء بأسمائها ومواجهة الفكر المتطرّف والمتشدّد باسمه مباشرةً، وليس بالمواربة والتمويه»، مشيرةً إلى أنّ «ما يحصل في عين الحلوة خطير جداً.. وفي حال تمكّنت القوى السلفية المتطرفة من السيطرة فإنّ هذا يعني وضع عاصمة الجنوب في خطر».

وانطلاقاً من هنا، لا يكتفي هؤلاء بالدعوة إلى وقف الاقتتال أو وقف الاشتباكات بشكل مبهم لتضييع الحقائق، وإنما يشدّدون على وجوب تحميل المسؤولية إلى الجهة التي تنفّذ أجندات خارجية واغتيالات وتصفيات جسديّة في عين الحلوة تمهيداً لحشرها في الزاوية وعزلها.

وتضيف «إنّ هذا الوضع قد استفحل ولا يجوز السكوت عنه وإلّا سيدفع الجميع في صيدا والمخيّم الثمن، كون المدينة هي بوابة الجنوب وخط المقاومة وعبور الجنوبيين اليومي».

وتذكّر هذه القوى بمئات العائلات النازحة التي وصلت إلى صيدا وفتحت لها المساجد والمدارس والقاعات، كما تعرّضت المدينة لشللٍ تام في كل مرافقها على مدى ثلاثة أيّام بما فيها الدوائر الرسمية ومنع تجوال ليلاً نهاراً، عدا القذائف ورصاص القنص الذي استهدف نقاطاً محددة في صيدا لإقفالها.

وتتساءل: «لماذا تعقد الاجتماعات بين القوى السياسية في صيدا وما الجدوى منها؟ وهل بإمكان جميع الفعاليات السياسيّة في المدينة تسمية الجهات الفلسطينية السلفية المسببة التي تفتعل الاشتباكات باسمها أم أنّه سيتمّ الإبقاء على تجهيل الفاعل، والمساواة في كلّ مرة بين الجهة التكفيرية الإرهابية المتطرفة التي تحمل اجندات خاصة بها لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية ولا بالقضايا الوطنية وبين من رفع شعار القضية الفلسطينية والهم الفلسطيني فوق كل المنابر والمواقع؟».

وتعقيباً على أحداث عين الحلوة، أصدر عدد من الشخصيات السياسية بيانات. فشدّدت النائبة بهية الحريري على أن الاستقرار في عين الحلوة جزء من أمن واستقرار صيدا ولبنان، مشيرةً إلى أنّ «تثبيت الأمن والهدوء في المخيم هو مسؤولية مشتركة بين جميع القوى الحريصة على الشعب الفلسطيني والحريصة على السلم الأهلي في لبنان».

ودعت إلى «تحصين وضع المخيم بخطوات عملانية من خلال الأطر الفلسطينية الجامعة بما يعيد الثقة بهذه الأطر، ويوفر الطمأنينة والأمان لأهل المخيم ليتمكنوا من التفرغ لمواجهة اوضاعهم الحياتية والمعيشية وتأمين الحد الأدنى من العيش الكريم لهم ولأبنائهم، وبما يمكنهم من الصمود والحفاظ على قضيتهم المركزية فلسطين وحق العودة إليها».

بدوره، أشار أمين عام «التنظيم الشعبي الناصري» الدكتور أسامة سعد الى ان الاشتباكات في عين الحلوة «افتعلتها جماعات إرهابية تكفيرية انعكست على الوضع في المخيم وجواره، كما انعكست على مدينة صيدا بكافة المستويات».

وأكد سعد أن «هذه الجماعات تقوم بدور خارج الإجماع الوطني الفلسطيني، ومختلف تماماً عن دور المخيم والفصائل ولا دور لها في تعزيز النضال الوطني الفلسطيني، ولا في حق العودة، فهذه الجماعات تنفذ أجندات خاصة بها تخدم المخططات الصهيونية، وتسقط القضية الفلسطينية من اهتماماتها، وتهدد وجود المخيم نفسه».

ورأى أنّ «الانقسام الفلسطيني يلعب دوراً سلبياً في إضعاف الخيارات الوطنية، فالتضامن بين القوى الفلسطينية بوجه ظاهرة الإرهاب وأجندتها هو من يحمي المخيم وخيارات الشعب الفلسطيني».

وحذر سعد من انه «في حال تمكنت هذه الجماعات من أخذ المخيم الى مسارات مجهولة فعلينا أن ننبه الجميع بمن فيهم كافة الفصائل الفلسطينية من دون استثناء بألا تستسهل هذا الامر لان المخيم سيصبح لديه خيارات أخرى بغير الاتجاه الوطني الفلسطيني»، داعياً كلّ القوى الفلسطينية «إلى تحمل مسؤولياتها تجاه أمن واستقرار هذا الشعب وتجاه الأمن الوطني اللبناني، فالأمن الوطني اللبناني مهدد كما الأمن الفلسطيني، لان هناك جماعات إرهابية تفتعل الأحداث داخل المخيم».

وشدّد الدكتور عبد الرحمن البزري على رفضه إلغاء خصوصية مخيم عين الحلوة وتهجير أبنائه لأن المخيم جزء لا يتجزأ من نسيج صيدا ودورها، معتبراً ان الاشتباكات المتكررة «تحمل في طياتها رسائل ضمنية هادفة لإلغاء خصوصية المخيم والقضاء على الشتات الفلسطيني وحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة».
ورأى أن القوى السياسية الصيداوية لن تقف مكتوفة الأيدي امام هذا الخطر الذي يُهدد المدينة ومحيطها، ويُهدد اللاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم.

من جهته، حذر المسؤول السياسي لـ «الجماعة الإسلامية» في الجنوب الدكتور بسام حمود من مخاطر ما يجري في عين الحلوة، واصفا إياه بأنه جريمة لا يستفيد منها إلا العدو الصهيوني.

ووصف حمود ما يحصل بأنه «غير مسبوق ولا يعني المتقاتلين والمخيم فقط، وإنما صيدا معنية مباشرة بما يحصل، كون عين الحلوة جزءا من صيدا وأية تطورات في المخيّم ستنعكس على صيدا ومنطقتها أمنيا واجتماعياً ولأن ما يحصل هو القضاء على هذا المخيم برمته بكافة أطرافه»، معربا عن الخشية من توجه البعض لتنفيذ مشاريع مشبوهة وبعض التصرفات الحاقدة التي تصدر من هنا وهناك وأن تدمير مخيم عين الحلوة تحت اي عنوان من العناوين هو انهاء للقضية الفلسطينية ولحق العودة ولعنوان الشتات واللجوء الفلسطيني».

مفتي صيدا واقضيتها الشيخ سليم سوسان أكد بدوره أنّ «الأمن الفلسطيني اليوم مهدد، وما نراه وما نسمعه لا يجعل النفس تطمئن، انما نريد اتفاقا وطنيا يؤكد هذا الأمن والعيش والسلم الأهلي الفلسطيني في مخيم عين الحلوة وفي كل مناطق الشتات، ولا ينعكس ما يحصل في المنطقة العربية على الفلسطينيين، وان تتوجه كل البنادق الى فلسطين لتحريرها من الاحتلال الاسرائيلي وتأكيد الحرص على الدم الفلسطيني».

المصدر: السفير