بُعيد الهجرة مباشرة ونزوح الفلسطينيين من قراهم إلى قطاع غزة، نشأت المخيمات والمعسكرات للاجئين، ومن ذلك معسكر الشاطئ، مما دفع بالناس لاستحداث حياتهم الخاصة في محاولة منهم لمتابعة العيش حتى يأتي يوم العودة إلى القرى الأصلية، ومن ذلك استحداث سوق خاص بالمعسكر يقع على شاطئ البحر.

وحسب مركز المعلومات الفلسطيني التابع لوكالة الأنباء الفلسطينية – وفا فإن سوق المعسكر هو سوق يومي يقع في وسط معسكر الشاطئ يتكون من العديد من المحلات التجارية والبسطات العامة التي تبيع الخضروات، والفواكه، والأسماك، واللحوم، ويشتهر هذا السوق بتدني الأسعار فيه مقارنة بالأسواق الأخرى، وهو أيضًا من الأسواق الشعبية التي يرتادها سكان المعسكر والمناطق المجاورة.

"فلسطين" تجولت في سوق معسكر الشاطئ، وعرفت حكايته من خلال البائعين فيه ورواده، والتفاصيل في السياق..

على شاطئ البحر

رئيف البرقوني (61 عامًا) – أبو رشاد – أحد رواد السوق، قال: "بداية السوق بعد الهجرة مباشرة كانت على شاطئ البحر، سوق بسيط يجتمع فيه أهل الحي، بالسلع الموسمية فقط، فلم نكن مثلاً نرى البندورة والبطاطا إلا في موسم واحد، وليس كل اليوم في كل المواسم هي حاضرة".

وأشار البرقوني لـ "فلسطين" إلى أن مشاعر الاحترام والألفة كانت تسيطر على جميع تعاملات التجار والبائعين والزبائن، فإن وجد أحد التجار زبونًا لديه في ضيق حال لم يطالبه بثمن البضاعة إلا وقت انفراج الحال.

وأضاف: "تم نقل السوق ببسطاته وخيامه من على شاطئ البحر، إلى الجهة الشمالية من ناحية المعسكر بناء على رغبة بلدية الاحتلال في ذلك الوقت، واستمر العمل فيه حتى قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية".

وتابع البرقوني: "انتقل السوق من الناحية الشمالية إلى الجنوبية في "بركس" أنشأته السلطة، إلى حين الانتهاء من وحدات مبنية من الباطون في الناحية الشمالية، وتمت إعادة البائعين إليها مجددًا، ليكون السوق بحاله هذه عام 2000م".

بائع البيض جميل قويدر (59 عامًا)، لفت النظر إلى أنه منذ سبعة وعشرين عامًا يبيع البيض في سوق معسكر الشاطئ، مضيفًا: "قديمًا في وقت يسر الحال، كان يأتي الزبون ويطلب عدد ما يريد من "كراتين" البيض، ثم يحاسب عليها بغض النظر عن الثمن الذي أطلبه لها".

وبين قويدر لـ "فلسطين" أن الوضع الاقتصادي الحالي فرض العكس عليه، فكثيرًا ما يأتي من يسأله عن ثمن "كرتونة" البيض ويحاول مفاصلته على سعرها، وفي أحيان يطلب منه نصف "كرتونة" فقط إن لم يكن قادرًا على شرائها كاملة.

وأوضح أن البيض سلعة غذائية أساسية الوجود في كل مائدة فلسطينية لسهولة إعدادها وأهميتها الصحية، غير أن الوضع الاقتصادي الغزّي هو الذي يتحكم بوجودها من عدمه.

البيض مطلوب

وأشار قويدر إلى أنه قديمًا لم يكن يأتي بائع لسلعة ما ليعرض بضاعته بجوار بائع يبيع السلعة ذاتها، فإن وجد بعض الباعة أن بضاعتهم هي ذاتها، يختار كل واحد منهم ركنًا بعيدًا حتى لا "يقطع" رزق زميله فالصلات الاجتماعية كانت متميزة جدًا، بعكس ما يحدث في هذا الأيام أن يأتي بائع بيض مقابل قويدر، ويظهر له بنظام "الجكر" أنه جاء جواره يشاركه رزقه.

وأضاف: "يمكنك في السوق تمييز البائع القديم من الجديد، من خلال تعامل البائع مع الزبون، فالقديم يظهر الصبر والألفة ويدلل على بضاعته بطريقة محببة، ولا يغضب من مفاصلة الناس له في سعر السلعة لأنه يعرف الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمرون بها، بينما البائع الجديد تظهر عصبيته مباشرة ولا يملك من الصبر ذرة.

وختم قويدر حديثه: "في الحروب يزداد الطلب على البيض أكثر من المعلبات، بصورة ملحوظة، فيصل سعر الكرتونة الواحدة إلى عشرين شيقلا"، منوهًا إلى أن الناس يستسهلون في الحرب طبخها وإعدادها بأشكال وأصناف متنوعة.

بائع الخضروات سليم النحال (62 عامًا)، جاء إلى السوق في عام 2000 بعد أن ساهمت دولة اليابان في بناء السوق الحالي بوحداته المصنوعة من الباطون، وقال: "الحال الاقتصادي هو الذي يحكم حركة البيع لدينا"
وأكمل النحال لـ "فلسطين": "في كثير من الأحيان يضطر بعض الباعة لتقليل كمية الخضروات التي يحضرونها للبيع حتى لا تتعرض للتلف"، موضحًا أن البائع في آخر نهار اليوم يقلل من سعر البضاعة، ويبيعها أحيانًا بأقل من رأس مالها حتى لا تفسد لديه، وفي كل الأحوال يتعرض للخسارة.

المصدر: فلسطين أون لاين