يقضي اللاجئ الفلسطيني محمود أحمد صالح حسنية وقته ببقالة متواضعة يملكها في مخيّم العروب شمال الخليل، وقلبه معلّق بمئات المتوفّين من جيله الذين عايشوا تفاصيل النّكبة الفلسطينية قبل سبعة وستّين عاما.

وينحدر حسنية من قرية كُدنة إحدى القرى الفلسطينية التي كانت تتبع محافظة الخليل، وهي واحدة من بين (14) قرية فلسطينية كانت من لواء الخليل رحلت دفعة واحدة، بعد سلسلة هجمات وعمليات قتل وإعدام نفّذتها العصابات الصّهيونية لترحيل السّكان.

أقران رحلوا

لكنّ آلام هذا الثمانيني تتصاعد كلّ يوم مع فقدانه لأحد أقرانه من جيل النّكبة الفلسطينية، الذين شارف جيلهم على الانقراض، كاشفا في حديثه لوكالة "صفا" عن أنّه لم يتبقّ من جيله سوى (12) مسنّا هم من عايشوا النّكبة الفلسطينية في مخيم العروب.

يقول حسنية في ردّه على سؤال "وكالة صفا" حول ما يتذكره من قريته، يقول "كل شيء أتذكره... من رفقاء عمري الذين رحلوا وأفتقدهم.... ومن شجرة عذق وخروب وحجارة... كل شجرة جلست تحت ظلّها وأتذكر أيضا هواءها وآبار مياهها التي شربت منها جميعا"، متابعا "جسمي في مخيّم العروب، لكنّ روحي في كُدنا".

ويشير إلى أنّه بعد تصاعد تهديد العصابات الصهيونية، قرّر السّكان شراء السّلاح للدفاع عن أنفسهم، لافتا إلى أنّ الجيش المصري جاء إلى القرية لحماية السّكان، لكنّ حسنية يعتقد أنّ هناك خطّة جرى تمريرها على السّكان الفلسطينيين، تمثلت في إخبار الجيش المصري للسكان بضرورة إخراج عائلاتهم ومواشيهم وممتلكاتهم خارج القرية، وبقاء الرّجال وحملة السّلاح فقط.

ويبين أنّ الوقت لم يلبث كثيرا حتّى قرر الجيش المصري الانسحاب، وبقي الرجال وحيدين في قريتهم أمام العصابات المسلحة.

ويعزّز حسنية قناعته بثقة الفلسطينيين بأنفسهم من خلال القول "لو بقيت الزوجات والأبناء داخل القرية لاستمات الرجال في الدّفاع عنها، لكنّهم اضطروا للرحيل، ليس دفاعا عن الأرض فحسب بل دفاعا عن عائلاتنا".

الإعلام والإشاعة

ويكشف عن استخدام بريطانيا للإعلام في بثّ الرعب والإشاعة في نفوس السّكان، من خلال تزويد مخاتير القرى لأجهزة الراديو التي كانت المصدر الأساسي للأخبار، والتي كانت وحسبما يؤكّد حسنيه مصدر لإشاعة أخبار القتل والتشريد والخراب، ما ضاعف من حالة الهلع بين السّكان الذين قرروا الرحيل.

ويعتقد أنّ الجيوش العربية التي قدمت لفلسطين كانت سببا لهزيمة الفلسطينيين، ويقول إنّ الشّعب الفلسطيني لو لم يكن وحيدا لما تمكّن اليهود من احتلال أرضه وطرده، موضحا بأن القرى الأربعة عشر التابعة للخليل خرجت عن بكرة أبيها، باتّجاه عدد من القرى والبلدات بالخليل، في فترة الهدنة التي جرى إبرامها بين اليهود والفلسطينيين، قبل أن يتوزّع سكّان هذه القرى على مخيمات بمحافظتي الخليل وبيت لحم.

لكنّ حسنية يرى أنّ الحق لن يضيع، مهما مكثت دولة الاحتلال لسنوات، معبّرا عن قناعته بأنّ الحقّ لن يضيع، وأنّ من ليس له وطن ليست له كرامة، ولا حياة.

وأنجب حسنية سبعة أبناء، وأصبح لديه عبر سنوات النكبة المتعاقبة ما يقرب من (80) حفيدا، يقول إنّه علّمهم أن "كُدنا" هي مسقط رأسه وهي أرضهم وقريتهم، وأنّ نسيانها من ضروب العبث، وأنّ العودة إليها يوما حتما.

ويصف سكّان "إسرائيل" اليوم بأنّهم مجموعة من المتطفلين، وسيأتي اليوم الذي يرحلون فيه، موجّها تساؤله لـ"الإسرائيليين" أين مكان ولادتكم؟ ومن أين جئتم إلى أرضنا..؟ ويتابع: هذه البلاد لأصحابها... أنتم قادمون من روسيا ومن أوروبا وأمريكا... نحن ضعفاء ولكن الحقّ معنا.... سترحلون... ويختم بسرد المثل الفلسطيني القائل "مصير العنزة القرعة... توخذ حقها من أم القرون..."...

المصدر: وكالة صفا