عاصمة الشتات الفلسطيني.. تحوّلات 67 عاماً

منذ 9 سنوات   شارك:

 يعتبر عين الحلوة قرب صيدا من أكبر مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. وتطلق تسمية «عاصمة الشتات الفلسطيني في العالم»، عليه وعلى مخيم المية ومية، وتجمّعات سكن للفلسطينيين في صيدا القديمة وأحياء في المدينة وفي محيطها.

يقدّر العدد الإجمالي للاجئين وفق إحصاءات غير رسمية في المخيمين وخارجهما بنحو 100 ألف فلسطيني.

تأسس مخيم عين الحلوة في العام 1948، على مساحة كيلومتر مربع واحد، وهو مستأجر من قبل «الأونروا» من الدولة اللبنانية لمدة 99 سنة. وتوسّعت رقعة المخيم في العقود الماضية إلى أراضٍ وبساتين محاذية تتبع عقارياً لصيدا أو درب السيم والمية ومية.

في العقود الأخيرة طرأت على مخيم عين الحلوة تحوّلات سياسية واجتماعية وأمنية، تمكّنت أو كادت أن تحرف بوصلته، وتحوله عن مساره الطبيعي كـ «مخيم للكفاح المسلح، وأصحاب قضية، وحق العودة»، بعدما أصيب الدور التاريخي للتنظيمات والفصائل الفلسطينية بالوهن والشيخوخة المبكرة. وبعدما كانت تشكل الأساس في صميم نسيج الشعب الفلسطيني المقاتل في سبيل قضيته. وأصيب ذلك الإرث النضالي التاريخي بالضمور والخمول لمصلحة قوى وفئات أخرى شابة وافدة إلى المخيم، تحمل أفكاراً إسلامية سلفية متشددة، لم تكن من أولوياتها «أقانيم وثوابت ومسلمات» الثورة الفلسطينية المتعلقة بالقضية برمّتها كلاجئين، وحق العودة ولا على جدول أعمالها. بل كان همّها الأول إثبات حضورها الإسلامي السلفي المتشدّد واستقطاب الأنصار والمريدين بأي طريقة كانت. وأعلنت تلك التنظيمات ولاءها وانتماءها لأفكار قيادات وزعامات سلفية متطرفة خارج حدود فلسطين ولبنان وصولاً إلى افغانستان. وانتمى بعض من المسؤولين عنها إلى الحركات السلفية التي تقاتل النظامين في العراق وسوريا. واتهم عدد منها بقضايا متعلقة بالإرهاب وحماية متورطين بعمليات إرهابية ومطلوبين للعدالة في لبنان. كما أن عين الحلوة شكل مؤخراً ملاذاً وملجأ آمناً لعدد من المطلوبين، بعدما وجدوا الحماية والأجواء المطلوبة ضمنه.

الخريطة السياسية

عين الحلوة اليوم بات يختصر المشهد الفلسطيني، برمّته ليس في لبنان، فحسب بل وصولاً إلى فلسطين. وتتعايش في المخيم بالإكراه والمساكنة وتحت حراب البنادق كل القوى والحركات والفصائل الوطنية الإسلامية المنفتحة والمعتدلة والمتطرّفة والسلفية المتشدّدة وتلك المتهمّة بعمليات إرهابية.

التحوّل السياسي الأبرز الذي طرأ على أكبر مخيمات لبنان، كان عقب توقيع «اتفاق أوسلو» سنة 1993، بين منظمة التحرير الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلية. عندها بدأ الوهن يدبّ بقوة في «حركة فتح»، التي تعتبر أم الفصائل الفلسطينية وتشكل العمود الفقري للكفاح المسلح الفلسطيني وتحمل شعلة انطلاقة الثورة منذ بداياتها الأولى قبل أكثر من ستة عقود. بدأت تُصاب بالضعف والعجز، وقيادتها بالترهل، ولم تتمكن من إنتاج قيادة شابة تقود كل الإرث الثوري للحركة المقاومة العملاقة في تاريخ النضال الوطني الفلسطيني.

ومنذ تلك التسوية تحولت قيادة «الثورة» التي قادت «منظمة التحرير» إلى «سلطة سياسية» وتخلت عن نهج «الكفاح المسلح». بعدها راحت تتسلل إلى الجسد الفلسطيني المنهك تنظيمات وفصائل تحمل أفكاراً من مشارب شتى.

في المقابل، يلاحظ الدور الفاعل لـ«حركة المقاومة الإسلامية - حماس»، بعدما باتت تشكل محور استقطاب فصائلي وسياسي وأمني في المخيم وخارجه، وعلى مستوى لبنان، نظراً لدورها المقاوم. كذلك الأمر بالنسبة لـ «حركة الجهاد الإسلامي».

اليوم، أي اشتباك في المخيم، أو أي إشكال داخلي أو فردي يحلّ على الطريقة اللبنانية القديمة «الأمن بالتراضي والتوافق». ولم تعد هناك جهة قادرة على أن تحسم أي خلاف، بعدما سقطت هيبة التنظيمات التاريخية، وراحت تتجرأ عليها تنظيمات صغيرة مستجدّة.

تنظيمات وقوى

النفوذ السياسي والأمني في المخيم تتقاسمه في المرحلة الراهنة قوى فلسطينية تشكل «أطراً» ومرجعيات، وليست جهة بعينها، وهي فصائل «منظمة التحرير الفلسطينية» ومن ضمنها «حركة فتح» والجبهتان «الشعبية» و«الديموقراطية». ويفترض أن من ضمن التحالف حركتي «حماس» و«الجهاد الاسلامي»، والقوى الإسلامية، ضمنها «عصبة الانصار» التي تشكل القوة الرئيسة في هذا الإطار، والعصب الذي يطلق عليه في المخيم صمام الأمان، إضافة إلى «الحركة الإسلامية المجاهدة»، وعدد من الشخصيات الاسلامية، وصولاً إلى «أنصار الله»، التنظيم الذي يشكل إطاراً سياسياً وأمنياً منفرداً في المخيم ويتردّد أنه مقرّب من «حزب الله».

ذلك اضافة إلى تواجد عناصر مسلحة إسلامية سلفية متشددة في المخيم تنتمي إلى «جند الشام» و «فتح الاسلام» وغيرها، وأشخاص ورجال دين إسلاميين سلفيين، لهم نفوذ وسط العنصر الشبابي، أمثال بلال بدر، وأسامة الشهابي، وهيثم الشعبي، وآخرين. ويقيم البعض منهم في مخيم الطوارئ وفي عدد من أحياء المخيم. وقد شكل معظمهم «إطاراً سياسياً» أطلق عليه «تجمّع الشباب المسلم».

لكن في المقابل، يسجل لعين الحلوة وقيادته مجتمعة، أنها كانت في مراحل عصيبة مرّت على لبنان، تشكل صمام أمان للأمن الوطني اللبناني برمّته. فقد أحبطت العديد من المحاولات لجرّ المخيم إلى اشتباكات مع الجيش اللبناني منذ معارك «نهر البارد»، وصولاً إلى معركة عبرا التي خاضها المتواري أحمد الأسير ومجموعاته المسلحة، وانتهاء بمعركة طرابلس الأخيرة. وساهمت معظمها بإنشاء وانتشار القوة الأمنية الفلسطينية المشتركة لحفظ أمن المخيم.

الوضع الاقتصادي

يشير عدد من المخضرمين إلى «أن الوضع الاقتصادي لصيدا ومحيطها وفي الجنوب، بدأ بالتطور منذ العام 1970، أي منذ «أيلول الاسود»، عندما بدأت قوافل قوات فصائل المقاومة الفلسطينية بالتوافد إلى لبنان والإقامة في صيدا وعين الحلوة وفي الجنوب إضافة إلى بيروت. ويؤكدون أنه قبل «أيلول الأسود» كانت الدورة الاقتصادية لصيدا ومحيطها وفي الجنوب عادية. لكن مع قدوم «المنظمة» بتلاوينها السياسية والإدارية والعسكرية الى لبنان نالت صيدا حصة كبيرة من هذا التواجد مالياً واقتصادياً وتجارياً وعقارياً وعلى صعيد الاستثمارات. ومنذ هذا التاريخ سجل السلّم الاقتصادي لصيدا تصاعداً متطوراً بشكل تدريجي وانتهى الى ما هو عليه اليوم.

يتذكر عدد من الفلسطينيين الطاعنين في السن أنه منذ نكبة فلسطين في العام 1948 ووصول الفلسطيني لاجئاً إلى لبنان، وإقامته في مخيمات صيدا وصور وما بينهما، فإن تلك اليد العاملة الفلسطينية الوافدة كانت مدربة ومارست دوراً أساسياً في تنمية قطاع الزراعة بين صيدا والجنوب ومعظم بساتين الجنوب التي تحوّلت خضراء يانعة، قد اعتمدت بالدرجة الأولى على أيادي العمال الفلسطينيين بنسبة تصل إلى 70 و80 في المئة، اضافة الى العمالة الفلسطينية الفنية الماهرة التي ساهمت بشكل فعال في تنمية قطاع البناء لأنّها تمتهن قدرة حرفية ماهرة عالية في كل ورش البناء وتقنياته، الأمر الذي أدّى الى تطور قطاع البناء، وكذلك الأمر في الصناعات المحلية التي كانت في حينه محدودة.

في المقابل كان للرساميل المالية الفلسطينية التي انتقلت إلى صيدا مساهمة في تطوير القطاع المصرفي.

في صيدا كان الفلسطيني المهاجر أو العامل في بلاد الخليج وأوروبا وإفريقيا يرسل أموالاً إلى عائلته المقيمة في صيدا ومحيطها، وكان الفلسطيني المقيم في المدينة بدوره يستثمر تلك الأموال بشراء العقارات وتحديداً الشقق السكنية. الأمر الذي ساهم في تنمية هذه القطاع وجنّبه الركود. لكن بعد صدور قرار عدم التملّك للفلسطينيين، أصيب قطاع بيع الشقق السكنية في صيدا بنوع من الجمود. ويؤكد المستثمرون الصيداويون على ذلك.

إضافة إلى ذلك، ضربت البطالة اليد العاملة الفلسطينية في عين الحلوة، وخاصة تلك التي كانت تعمل في قطاعات الزراعة والبناء ومتفرّعاته من ورش وقطاع الإنتاج والمهن المتواضعة والمياومة، بنسبة تصل ما بين 55 و60 في المئة، وفق إحصاءات «اللجان الشعبية الفلسطينية». فقد حلت مكانها تدريجياً في كل القطاعات اليد العاملة السورية الوافدة.

في حين أن أفق العمل مقفل ومسدود أمام أي طالب فلسطيني جامعي يتخرّج طبيباً أو مهندساً أو محامياً، نظراً لكون هذه المهن وغيرها وتعَدّ بالعشرات، ممنوع ممارستها على الفلسطيني في لبنان وفق القانون.

ازاء ذلك وفي ظل الإصرار على رفض منح الفلسطينيين حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية، وفي مقدّمتها حق العمل وحق التملك خوفاً من التوطين، لم يجد الفلسطيني سوى الخروج من هذا النفق المسدود طالباً الهجرة غير الشرعية، ولو عبر «قوارب الموت» إلى بلاد غريبة، بكلفة باهظة، غالباً ما تنتهي تلك المغامرة إما بملاقاته حتفه غرقاً أو باعتقاله من قبل أمن الدولة المقصد وإعادته من حيث أتى.

المصدر: السفير



السابق

«اللجنة اللبنانية الفلسطينية للحوار» تطلق صرخة للضمير العالمي بذكرى النكبة

التالي

حفل وطني تراثي في مخيم الجليل إحياءً لذكرى نكبة فلسطين


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة "Gaza Writes Back"

  !israel is a piece of shit and they know ittwitter.com/ThisIsGaZa/status/595385208385449985/photo/1 




تغريدة "عاصم النبيه- غزة"

 عندك القسام وبتأيد داعش؟ روح استغفر ربك يا زلمة.. #غزةtwitter.com/AsemAlnabeh/status/595507704338186240
 




تغريدة "أحمد بن راشد بن سعيد"

القاهرة تنتفض ضد قرار تقسيم #فلسطين عام 1947.كان زمان!لكن تظل #فلسطين_قضيتناtwitter.com/LoveLiberty/status/594548013504307200/photo/1




تغريدة "Joe Catron"

 Take a moment to thank "@MsLaurynHill" for cancelling her concert in occupied Palestinetwitter.com/jncatron/status/595337215695192064/photo/1




تغريدة "Dr. Ramy Abdu"

 المغنية الأمريكية المشهورة لورين هيل تلغي حفلها الفني في "إسرائيل" بعد حملة واسعة لنشطاء حركة المقاطعة.twitter.com/RamAbdu/status/595530542910742528




تغريدة "النائب جمال الخضري"

في #غزة يقهرون الإعاقة ويلعبون الكرة الطائرة أطرافهم بترت اثناء الحرب على غزة لا يأس ولكن عزيمة وصمود لهم التحية.twitter.com/jamalkhoudary/status/595520655858147328





 

محمود كلّم

42 عاماً على مجزرة صبرا وشاتيلا !!!

من الصعب على الذاكرة بعد مرور 42 عاماً على المجزرة، استرجاع أدق التفاصيل التي تبدو ضرورية لإعادة تقييم مجريات الأحداث، والخروج مع … تتمة »


    ابراهيم العلي

    في ظلال يوم الأرض الفلسطينون : متجذرون ولانقبل التفريط

    ابراهيم العلي

     يعد انتزاع الاراضي من أصحابها الأصليين الفلسطينيين والإستيلاء عليها أحد أهم مرتكزات المشروع الصهيوني الاحلالي ، فالأيدلوجية الصهي… تتمة »


    تتقدم مؤسسة العودة الفلسطينية من عمال فلسطين بأطيب الأمنيات وأجلّ التحيات لما يقدمونه من جهد وعمل وتضحية..
صامدون - عاملون - عائدون
    تتقدم مؤسسة العودة الفلسطينية من عمال فلسطين بأطيب الأمنيات وأجلّ التحيات لما يقدمونه من جهد وعمل وتضحية.. صامدون - عاملون - عائدون