تراجعت قضية غزة خلف الأضواء السياسية في الأسابيع الأخيرة رغم أن الوضع في القطاع بقي على حاله لجهة الحصار أو تعرقل عملية الإعمار، وفي ذلك مؤشرٌ على حالة من الخوض السياسي من تحت الطاولة لم تلبث حتى ظهرت، بداية في المصادر الإعلامية الإسرائيلية، ثم في الإعلام الأجنبي، ولاحقا وأخيرا في الإعلام المحلي الفلسطيني.

التسريب الإعلامي "الإسرائيلي" لما سمي "عرضا مغريا" على حركة "حماس" في غزة أكدت الحركة من أعلى مستويات القيادة فيها رفضها المقترحات التي قدمت إليها عبر وفد سويسري لحق زيارة موفد الرباعية الدولية، طوني بلير، مشيرة إلى أن تلك الأطراف حاورتها في عدة نقاط لكنها لن تقدم على أي اتفاق "من دون إجماع وطني"، وهو ما تعزز بكون اجتماع الوفد السويسري الأخير في غزة قد شمل ممثلين عن الفصائل جميعا.

في كل المسوّدات التي أخرجت للإعلام كانت البنود مشابهة كثيرا لما أعلن في اتفاق وقف الحرب الأخيرة على غزة في القاهرة نهاية العام الماضي، وخاصة رفع الحصار عن غزة وفتح المعابر والسماح ببناء ميناء ومطار تحت رقابة دولية، مقابل هدنة تتعهد بها "حماس" على وجه الخصوص، وتتراوح ما بين 3 - 15 سنة.

ومع تأكيد "حماس" رفضها ما قدم إليها بالتزامن مع تشديد الوفد السويسري تركيزه على قضايا الموظفين وسلامتهم الأمنية (مصطلح أوروبي إسرائيلي يقصد به ألا يكون الموظف على علاقة مباشرة بالمقاومة المسلحة)، فقد توالت تصريحات قياديين في "حماس" معلنة رفضها الشق الخاص بإعادة ترتيب أوضاع الموظفين التابعين لحكومتها السابقة، لأنها لا تخلص إلى نتائج مرضية، كما قالت.

كذلك كان باديا رفض الوفد السويسري الحديث في ما يخص مفاوضات القاهرة على اعتبار أنهم يمثلون أوروبا التي "تدفع أموال رواتب الموظفين في السلطة" ويعنيها ألا يخالف ذلك "معايير المنظومة الدولية".

الحراك السابق دفع مراقبين وسياسيين إلى التخوف مما تمثله هذه العروض من خطر يفضي إلى تصفية القضية الفلسطينية عبر نزع قطاع غزة عن المحيط العربي، ولاسيما التواصل الفلسطيني، وذلك بما يخدم المشروع الإسرائيلي الذي يقوده بنيامين نتنياهو في الضفة والقدس المحتلتين.

بالتزامن مع ذلك، دخلت قطر على خط عملية الإعمار عبر البوابة الإسرائيلية، بـ"شبه قبول" من حكومة التوافق والسلطة في رام الله، وهو ما عبّر عنه المبعوث (السفير) القطري إلى غزة، محمد العمادي، الذي أعلن انتهاء أزمة الإعمار التي كانت مرتبطة بتواصل إغلاق معبر رفح البري مع مصر، موضحا أن الدوحة اتفقت مع "إسرائيل" بعلم من السلطة على البدء بإعمار القطاع بألف وحدة سكنية، على أن يكون استخدام المعابر مع "إسرائيل" من أجل إدخال المواد اللازمة، وطبعا ضمن الشروط التي تناسب "الإسرائيليين".

كثر الحديث في ذلك الوقت عن أن الاتفاق مرر "غصبا" عن رام الله ورئيس السلطة، ولم يمكن التحقق من هذا حتى جاءت زيارة رئيس حكومة "التوافق"، رامي الحمدالله، إلى غزة. زيارةٌ لم تخرج بنتائج واضحة حتى كتابة هذه السطور سوى "تشكيل لجان" رديفة للجان التي شكلت منذ بدء عمل الحكومة في حزيران/يونيو الماضي، وكلها لم تقدم أي نقطة إيجابية في رصيد الخلاف الفلسطيني. لكن الزيارة، التي أُجلت أكثر من مرة، أنقذت الموقف السياسي الداخلي من لحظة الطلاق الأخيرة التي كادت تتبع التراشق الإعلامي بين "حماس" والسلطة جراء الاتهامات المتبادلة بشأن "العبث في أمن غزة". والآن غزة تنتظر تحقيق الوعود التي أطلقها الحمدالله وقال إنها ستنجز خلال أيام، كما تنتظر أن تنشط عجلة الإعمار... أو ستعود لتبقى رهينة الانتظار السلبي مجددا.

المصدر: وكالات