برج البراجنة: ذوو الاحتياجات الخاصّة ملف منسيّ بحاجة إلى تأهيل ورعاية
لا يمكن لاثنين أن يختلفا على حجم الإهمال الذي يعانيه مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في بيروت، وبين زواريبه المتداخلة والمتشعبة، يقبع هنا وهناك عددٌ لا بأس به من ذوي الإحتياجات الخاصة، ممن يكابدون شتّى أنواع الأمراض العقلية أو الجسدية.
طبعاً، لا يوجد إحصائيات تحدّد أعدادهم أو أنواع أمراضهم، وذلك ببساطة، لعدم وجود أي مؤسسة داخل المخيم تعنى بحالتهم بأي شكل من الأشكال. ولكن انفرد "مركز أمان" في المخيم بمساعدته لهذه الفئة المنسية من المجتمع الفلسطيني.
"أمان" هو مركز ذو إمكانيات متواضعة، أنشئ بمبادرة فردية من أشخاص عاديين في المخيم بتمويلٍ أيضاً متواضع من لاجئين مغتربين، واحد من أهدافه الإعتناء بمن يحملون أمراضاً عقليّة "كمتلازمة داون"، في محاولة منهم لتخفيف معاناة أهاليهم من جهة، ومن جهة أخرى تأهيلهم للتعامل مع المجتمع الخارجي.
الأستاذ خليل كايد أو "العم أبو جابر"، اسم اقترن لخمس وعشرين عاماً بذوي الإحتياجات الخاصة، فقد درّبهم وعمل معهم وحاول تأهيلهم ليصبحوا أكثر إنتاجية وفاعلية في مجتمعاتهم أثناء عمله في دار الأيتام الإسلامية، وها هو الآن يبذل كل ما في وسعه من أجل أولاد شعبه في المخيم من خلال الإمكانيات البسيطة التي يقدّمها المتبرعون لمركز "أمان".
والحديث مع العمّ أبو جابر يختصر كلّ معاناة الأولاد المعوقين في المخيم، كأنهم جميعاً أولاده، وذلك لشدّة حبه لهم: "أنا أحب هؤلاء الأولاد، وهم جزء منّي وأنا مؤمن أنّ لديهم قدرات على الرغم من إعاقاتهم الجسدية أو أحياناً العقلية، وأنا أريد أن يعلم كل الناس هذا الأمر". ويتابع: "على الناس في المخيم أن يعوا أن ذوي الإحتياجات الخاصة هم جزء لا يتجزّأ من مجتمعاتنا وعلينا الإهتمام بهم والعطف عليهم، لأنهم يشعرون ويعلمون من يحسن إليهم ومن يسيء لهم".
وتحدّث أبو جابر بشيء من الحسرة في قلبه والألم على هؤلاء الأطفال عن غياب التوعية بين أبناء المخيم حول هذه الشريحة من المجتمع ويقول: "الناس في المخيم لا يعلمون الطريقة الصحيحة للتعامل مع هؤلاء الناس، صحيح هم متخلفون عقلياً لكنهم يشعرون تماماً كما نشعر ويتألمون ويفرحون.. إلّا أنّ الناس في المخيم دائماً ما ينظرون نظرة دونية لهم وهو ما يجب أن نجد له حلاً".
ويقول عن محاولاته الحثيثة لدمج المعوقين مع أقرانهم الطبيعيين: "أدعو دائماً أطفال الحارة والشباب إلى المركز أثناء حصص تدريب المرضى لأريهم إمكانياتهم على أرض الواقع، وأثبت لهم أنهم إذا ما سنحت لهم الفرصة يمكن أن يقدموا لمجتمعاتهم كما الفرد الطبيعي تماماً."
ولدى سؤال أبو جابر عن أبرز الصعاب التي يواجهها ذوو الإحتياجات في المخيم مقارنة بمن يشاركوهم الحالة خارج المخيم أجاب: "أول وأبرز المشاكل هي أن المجتمع في المخيم لم يتعلم حتى الآن تقبّل المعوقين أو الطريقة الصحيحة للتعامل معهم بسبب غياب التوعية المنزلية من جهة، وتوعية المدارس من جهة أخرى، أضف إلى ذلك أن مخيمنا ليس ببيئة سليمة لهم، من ناحية الطرقات غير المعبّدة."
ويوضح كيف أنّ هذه الطرقات تؤثر عليهم من نواحٍ عدّة. فلدى الكثير من المعوقين ضعف نظر شديد، وطرقات المخيم عبارة عن "طلعات ونزلات" ما يؤدّي إلى وقوعهم باستمرار إذا لم يكن هناك من يرافقهم، كما أن الطرقات تعيق حركة من يمشون بمساعدة "الووكر" أو على الكرسي المتحرّك.
ولا يوجود مبانٍ مجهّزة لمن لديه أولاد ذوي إعاقة، أي إعاقة كانت. تقول أم محمد الذي يعاني إبنها الشلل منذ الصغر على أثر حادث وقع معه: "نعيش في مبنى في المخيم على الطابق السادس، وأنا كبيرة في السن وأبوه كذلك، ولا نستطيع إنزاله وإعادة إرجاعه للمنزل باستمرار، لذلك قد يمرّ شهر أو أكثر دون أن يخرج من المنزل، ما يُسبّب له حالة من الاستياء الواضحة".
وتوضّح أم محمد أنه حتى وإن سنحت الفرصة له بالنزول "فالزواريب ضيّقة للغاية، ونبذل جهداً كبيراً للتحكم بالكرسيّ المتحرك ما بين الحيطان المتقاربة، بالإضافة الى الطرقات غير المعبّدة ما يعقينا أكثر وأكثر".
في العموم، هناك العديد من الحلول الفعالة التي تخدم ذوي الاحتياجات الخاصة وتؤهلهم لدخول المناخ المجتمعي والوظيفي، وبالتالي توفير الحرية والاستقلالية له، وذلك عبر العمل على تصميم برامج تأهيلية قادرة على استيعابهم وتقديم التأهيل المناسب لهم، والعمل على إيجاد نظام عمل عن بعد لمن يستطيع ولديه المؤهلات، وتبقى هذه المسؤولية على عاتق المعنيين في المجتمع الفلسطيني الذين يجب أن يبادروا للعمل فورا..
المصدر: وكالة القدس للأنباء
أضف تعليق
قواعد المشاركة