في الذكرى الـ14 لـ «هبة القدس والأقصى» 2000:
بوادر انتفاضة جديدة في صفوف فلسطينيي الـ48
جاءت الذكرى الرابعة عشرة لانتفاضة «القدس والأقصى»، التي سقط فيها 13 شهيداً من فلسطينيي الـ48، والتي أحياها أمس، الفلسطينيون في الأراضي المحتلة عام 48، وسط ظروف شبيهة بتلك التي أطلقت شرارة انتفاضة عام 2000، وذلك بسبب الممارسات الإسرائيلية على الأصعدة كافة، في وقت تتواصل الهجمة العنصرية الإسرائيلية ضد الأقلية القومية العربية.
وكانت الجماهير العربية قد تظاهرت خلال هذه الهبّة، ضد سياسات الظلم والعنصرية المتصاعدة، سقط خلالها شهداء وعشرات الجرحى. كما يتزامن إحياء الذكرى الـ14 مع تنامي الدعوات الفاشية وتفشي العنصرية الإسرائيلية المتطرفة على جميع الأصعدة الشعبية والرسمية، واستمرار مخططات التهويد والتشريد الهادفة إلى إفراغ أراضي الـ48 من مواطنيها العرب، والتي كان آخرها دعوة وزير الزراعة الإسرائيلي المتطرف يائير شامير مطلع الأسبوع الحالي إلى تحديد نسل بدو النقب، ومنع تكاثرهم خشيه سيطرتهم على الأرض.
وشكلت أحداث تشرين الأول 2000، محطة مهمة في تاريخ وجود الأقلية القومية الفلسطينية التي تثبتت بأرضها بعد نكبة العام 1948، وكانت مرحلة مفصلية في حياة الفلسطينيين هناك، وهي الأحدث والأبرز بعد أحداث يوم الأرض الأول عام 1976، والتي قام خلالها ولأول مرة، فلسطينيو الـ48 بإعلان الإضراب العام احتجاجاً على سياسات القهر العنصري والتمييز القومي الذي تمارسه بحقهم السلطات الإسرائيلية منذ إقامة دولة إسرائيل على أنقاض الشعب الفلسطيني سنة 48، ونجحوا خلالها في إعادة قضيتهم إلى المشهد الإسرائيلي العام وبقوة. وجاءت انتفاضة القدس والأقصى إثر تدنيس رئيس المعارضة الإسرائيلية آنذاك اريئيل شارون للمسجد الأقصى. وتضامناً مع أشقائهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، استنكاراً لمحاولات شارون تكريس واقع تهويد المسجد الأقصى والقدس المحتلة، وبعد انسداد الأفق السياسي، وتنكر إسرائيل لاتفاقات الحكم الذاتي، وتهربها من تنفيذ ما نصت عليه هذه الاتفاقات.
وشكلت هبة فلسطينيي الـ48 عام 2000، محطة فارقة في تاريخ النضال فلسطينيي الـ48، إذ أسست لمرحلة جديدة من الوعي الفلسطيني، فضلاً عن حالة من الاستقطاب غير المسبوق بين الدولة كمؤسسة رسمية والمجتمع الإسرائيلي من جهة، والمجتمع الفلسطيني في الأراضي المحتلة من جهة أخرى، وزاد الاستقطاب كما ازداد الوعي الفلسطيني. ويحيي فلسطينيو الـ48 ذكرى شهدائهم في محاولة لاستشراف مستقبل وصياغة برامج وسياسات إزاء التحديات اليومية التي يواجهونها، والتي يخوضون في مواجهتها نضالاً مستمراً منذ العام 1948، سعياً للحصول على حقوقهم المدنية والمساواة في وجه العنصرية المتفشية في أوساط المجتمع اليهودي.
وفي السنوات الخمس الأخيرة ومنذ عودة رئيس الوزراء الإسرائيلي زعيم حزب «الليكود» بنيامين نتنياهو الى الحكم، تشهد علاقة فلسطينيي الـ48 والمؤسسة الإسرائيلية تصعيداً متواصلاً يحمل في طياته مخاطر على مستقبل الجماهير العربية، حيث تقوم السلطات الإسرائيلية بسن وشرعنة القوانين العنصرية التي تهدف إلى نزع شرعية المواطنين العرب، وإنهاء نضالهم المتواصل الهادف إلى تحصيل لحقوقهم المدنية والمساواة مع اليهود. ويلاحظ المتابع وبجلاء، سياسات الاستيلاء على الأرض، والتي برزت بشكل خاص في عمليات هدم البيوت في النقب والمثلث والجليل، ومحاولات اسرائيل المتعاقبة لتقسيم فلسطينيي الـ48 الى طوائف وملل، والتي كان آخرها قرار وزير الداخلية الاسرائيلي المستقبل اعتماد القومية الآرامية للمسيحيين العرب، ومساعي وزارة الامن الاسرائيلية تجنيد الشباب المسيحيين في جيش الاحتلال الاسرائيلي.
هذا بالإضافة إلى تصاعد التحريض العنصري ضد جماهير فلسطينيي الـ48 والتي تهدف إلى المس بشرعية انتمائهم لوطنهم وأرضهم ومضايقة والتحريض على قياداتهم، بما في ذلك التحقيقات والمحاكمات والاعتقالات السياسية، ومحاولات التطهير العرقي وهدم البيوت في الأحياء العربية في القدس المحتلة، وطرد الفلسطينيين من بيوتهم ومنحها للمستوطنين، بهدف إحداث تغييرات ديموغرافية وجغرافية وسياسية تكريساً للاحتلال.
كما أن هبة القدس والأقصى كانت حدثاً مفصلياً في تاريخ الأقلية القومية على مستوى العلاقة مع الإسرائيليين، كما ساهمت الهبّة في رفض الخيار الوحيد المتاح أمام الفلسطينيين، بأن يبقوا مواطنين في حدود ضيقة رسمتها اسرائيل.
وأفضى ذلك إلى تحركات وتحالفات داخلية بين قوى فلسطينية مختلفة تُوِّجَت بتأسيس «التجمّع الوطني الديموقراطي»، كتيار قومي يطرح معادلة دولة المواطنين، مع التأكيد على الهوية القومية والوطنية للفلسطينيين في الداخل، وسعي لكسر آليات السيطرة والهيمنة الصهيونية في إسرائيل، وترسيخ الانتماء والهوية العربية الفلسطينية.
أضف تعليق
قواعد المشاركة