مريم بدوي.. كتبت من عين الحلوة ونشرت في أمريكا
شبكة العودة الإخبارية -خاص
رغم كل الصعوبات التي ما زالت تعصف في الشعب الفلسطيني، ما زال شعبنا قادراً على الإبداع والتميّز، شعبٌ أبى الذل والخنوع، عرف حقه فرفع قدره. وحقه هو في فلسطين، كل فلسطين، لأنه ما زال هناك ما يستحق الوصول لأجله، أو الموت دونه. تاريخ شعبنا زاخر بالنضال والتضحيات، منهم من حاربهم بالسلاح، ومنهم من أرهبهم قلمه، وأرّقتهم كلمته، وأذهب عقولهم ريشتُه، وبين هذا وذاك، الطريق مُهدت بجثامين الشهداء، ودماء الجرحى التي كانت قناديلَ مضيئةً للانتقام. وما زال شعبنا مصراً على المسيرة.
هذه المرة ليست مختلفة، فمن المخيم الذي أنجب ناجي العلي، ومنه أطل محمد إبراهيم، ليس غريباً عليه هذا الأمر. لكن الأمر هذه المرة مختلف بعض الشيء، فقد استطاعت الشابة الفلسطينية مريم حسن البدوي أن تصل إليهم، من عاصمة الشتات، إلى أميركا! وبالتحديد إلى جامعة هارفرد.
ولدت مريم حسن البدوي في مخيم البص في مدينة صور جنوب لبنان عام 1995. في المرحلة الثانوية كانت تحلم أن تدرس الهندسة بإحدى الجامعات الراقية، ولكنها كأي لاجئ فلسطيني هنا، كلما ارتفعت أحلامهم، ارتطمت بسقف المخيم وعادت. تابعت دراستها في معهد سبلين التابع للأونروا وتخرجت بمعدل جيد جداً، وكان شغفها الهندسة حقاً. انتقلت بعد زواجها للعيش في مخيم عين الحلوة، أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين. عملت مريم مباشرة بعد تخرجها واكتسبت خبرة واسعة في مجال الهندسة، ولم تنسَ العمل لفلسطين، وعندما تقدمت باستقالتها من العمل بسبب انتقالها إلى منطقة أخرى قال لها مديرها: لم أرَ شخصاً يُحب عمله مثلك، لقد تعلمتُ منك الكثير وأهم شيء أنك جعلتني أحب فلسطين.
عاشت مريم حياة هادئة وأنجبت خلالهما طفلين في 2018 و2019، إلى أن جاءت الأزمة الاقتصادية في لبنان أو كما يعرف بـ"أزمة الدولار"، فخسرت مريم كل مدخراتها "فرق عملة"، وعادت لتقف مرة أخرى وتبدأ من جديد.
مع بلوغ الأزمة ذروتها في عام 2021 وانقطاع الكهرباء وتوقُّف المولدات الخاصة عن العمل، عانى اللاجئون الفلسطينيون أوضاعاً اقتصادية ونفسية، وبسببها شُلَّت معظم مناحي الحياة. استثمرت مريم هذا الوقت وشاركت بمسابقة أفضل بحث علمي أقامتها دائرة شؤون اللاجئين، لتثبت مريم جدارتها وتصنف ضمن أفضل 30 باحثاً وباحثة على مستوى الوطن والشتات كتبوا عن القضية الفلسطينية.
إنجازات مريم ما زالت مستمرة، فهي الآن قد أنهت كتابها الثاني بعنوان: الإنسانية المعلقة – داخل الصندوق suspended human – inside the box الذي نُشر على موقع Amazon.com، وقد كتب مقدمته الدكتور Bill Slaughter، دكتور الطب النفسي من جامعة هارفرد الذي أبدى إعجاباً شديداً بطريقة سرد مريم للقصص مع وصفها المخيم بكل تفاصيله، فكل لاجئ فلسطيني سيجد جزءاً منه في الكتاب بطريقة ما. قدم الدكتور بيل مقارنة بين مريم البدوي ومارتن لوثر كينغ، وإن اختلف اللون فالهدف واحد، "شعبي يستحق الأفضل".
مريم ما زالت شابة في العشرين، والحياة ما زالت طويلة أمامها، فهي التي سارت على درب جدتها لوالدها "أم سعد" التي كتب لها "غسان كنفاني"، وقد أصاب قلمه تلك المرة ومرات كثيرة أخرى، فعلى خطى سعد، وفي مدرسة ابنة أم سعد تربّت مريم وعلمت أنه مهما كان الشتاء قاسياً على الدالية لا بد أن يأتي يوم وتبرعم.
أضف تعليق
قواعد المشاركة