محمد الهرباوي... صانع القرع العسلي في غزة
يقصد عدد كبير من سكّان قطاع غزة شارع عمر المختار وساحة الجندي المجهول، يومي الخميس والجمعة، للنزهة. إلّا أن التنزه ليس السبب الوحيد، فهناك سبب إضافي يدفعهم إلى قصد هذين المكانين. في الساحة، يجدون الحاج أبو وسام المعروف بـ"صانع القرع العسلي". يشترون منه القرع اللذيذ، هو الذي يعدّه بشكل متقن منذ نحو 55 عاماً، علماً أنه يعاني من مرض القلب. لكن المرض لا يمنعه من إعداد القرع وبيعه للناس.
محمد الهرباوي، أو أبو وسام (68 عاماً)، ولد في حي الدرج وسط مدينة غزة في عام 1949، أي بعد عام من النكبة. أصوله من منطقة الرملة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. بعدما انتقلت أسرته إلى قطاع غزة، استقرت في حي الدرج، ثم انتقلت إلى مخيّم جباليا، وسكنت في أحد بيوت الصفيح. درس في إحدى المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لمدة سنتين، ثمّ تخصّص في ميكانيك السيّارات. لكنّ الظروف الاقتصادية الصعبة لم تسمح له بفتح ورشة خاصة، خصوصاً أنّ الأمر لا يقتصر على إيجاد المحل المناسب.
بعدها، تعلّم صناعة القرع العسلي من والده، وقد اشتهر والده بصنعه وبيعه في سوق النبي صالح في مدينة الرملة. يقول لـ"العربي الجديد": "قبل الهجرة، كانت بلاد الشام موحدة، وكان السوريون واللبنانيون يزورون فلسطين ويتبادلون السلع التجارية ويتعلمون بعض الأشياء من بعضهم بعضاً. وتعلّم والدي إعداد القرع العسلي من صانع حلوى لبناني، وبات مشهوراً يقصده سكان الضفة الغربية ومدن شمال فلسطين".
في نهاية خمسينيات القرن الماضي، كان عمر الهرباوي عشر سنوات، وبدأ يرافق والده خلال بيعه القرع العسلي، وقد تعلم صناعته. وحين أصبح في السادسة عشرة من عمره، بدأ يتقن صناعته، وصار يبيعه قرب مسجد السيد هاشم في منطقة السدرة، وسط مدينة غزة، ثمّ انتقل إلى بيعه في شارع فهمي بيك في المدينة نفسها. وبعدما اشتهر في بداية الثمانينيات، تلقى عرضاً من عائلة ساق الله، إحدى أشهر العائلات الغزية في صنع الحلويات، للعمل معها لكنه رفض.
يشير إلى أن أهالي قطاع غزة لم يعرفوا القرع العسلي في البداية، لكنهم صاروا يقصدونه ويسألون عنه، وعرفوا أنه من نبتة كانت مفضّلة لدى الرسول محمد، واسمها الدباء. وبات من يجرّبها يحكي لآخرين عنها، حتى زاد عدد زبائنه، لافتاً إلى أن كثيرين كانوا يشترونه كوصفة علاجية لاحتوائه على عناصر غذائية مهمة.
يصنع أبو وسام القرع العسلي من اليقطين ويعتمد على عسل يحضره من الأراضي المحتلة، نظراً لجودته. يستخلص مادة الغلوكوز من العسل التي تحافظ على اليقطين، ويطهوهما معاً على طريقته الخاصة، من دون إضافة أية مواد حافظة، ما يجعله صالحاً للأكل لنحو عام كامل.
للقرع العسلي فوائد عدّة، بحسب أبو وسام. يقول إنّه يحتوي على مادة الكرياتين وبعض الفيتامينات، كما أنّه يحدّ من الاكتئاب ويزيد من حيويّة الجسم والذكاء لدى الأطفال. كذلك، يحسّن عملية الهضم بفعل احتوائه على الألياف، ويساعد على الشعور بالشبع لمدة أطول، ويقوّي المناعة، ويحافظ على صحّة العيون.
لم ينته من ذكر فوائد القرع العسلي بعد، إذ يشير إلى أنه يساهم أيضاً في الحفاظ على صحة الجلد، ويساعده على مقاومة أشعة الشمس، ويقلل من علامات الشيخوخة، ويحافظ على نضارة البشرة، ويحمي من سرطان الجلد، ويحافظ على صحة القلب. وينصح بتناوله بعد ممارسة الرياضة لإعادة التوازن إلى الجسم، وقد خسر بعض الأملاح. ويشير إلى أنه ينشّط عمل الكبد.
لكن أبو وسام يعاني من مرض القلب منذ 12 عاماً. مع ذلك، ينسى إصابته بالمرض وقد تأقلم مع وضعه الصحي. كما أن عمله ينسيه الأمر، عدا عن تناوله القرع العسلي يومياً. هو أيضاً يسعى إلى الاستفادة من فوائده، حاله حال الناس. وحين راجع طبيباً، أخبره أن نتائج التحليل تشير إلى أنه في صحة جيدة، وإن كان ما زال يعاني من المرض.
يبيع الهرباوي القرع العسلي على بسطته في شارع عمر المختار قرب ساحة الجندي المجهول بعد ظهر يومي الخميس والجمعة. أما في صباح يوم الجمعة، فيعمل في سوق اليرموك، وسط مدينة غزة، ويتفرغ السبت لتحضير القرع العسلي لليوم التالي، أي الأحد، ثم يذهب إلى شمال قطاع غزة، وتحديداً إلى سوق الشيخ زايد، أيام الإثنين والثلاثاء والأربعاء. وعادة ما يحضّر القرع العسلي في مصنعه الصغير أسفل منزله في حي الشجاعية.
لدى الهرباوي خمسة أولاد يعملون في البلاط، وقد رفضوا تعلّم صناعة القرع العسلي لتفضيلهم العمل في البناء. لذلك اضطر إلى تعليم أخيه، وهو طبيب، كيفية إعدادها، حتى لا يختفي القرع العسلي بعد وفاته.
المصدر: العربي الجديد
أضف تعليق
قواعد المشاركة