في غزة... هزيمةٌ مُذلّةٌ للمجتمع الدولي وحقوق الإنسان!
محمود كلّم
كاتب فلسطينيفي زمنٍ سقطت فيه الأقنعة، كشفت غزة عجز العالم وزيف إنسانيته، فانتصر الصمود على الصمت، والدم على السيف.
لم تعد غزة خبراً في شريطٍ إخباري، ولا عنواناً على شاشاتٍ فقدت حياءها.
غزة اليوم وجعُ الإنسانية العاري، وفضيحتها الأكبر. مدينةٌ تحترق على مرأى العالم، والعالم منشغلٌ بعدّ جثثها، كأنها أرقامٌ لا أرواح لها.
في كل بيتٍ من بيوت غزة، من مخيم الشاطئ إلى خانيونس ورفح، قصةُ المٍ معلّقة على الجدار.
أمٌّ تبحث عن أبنائها تحت الركام، فلا تجد سوى الحقيبة المدرسية ودفتر الحساب الذي لم يُكمل صفحة الدرس الأخير.
وطفلٌ يسأل أباه: لماذا لا نملك سماءً تحمينا؟
ولا يجد الأب جواباً سوى الصمت، لأن السماء ذاتها صارت أداة قتل.
تُقصف المستشفيات والمدارس ومخيمات اللاجئين في كل زاوية من غزة، ويُقال في نشرات الأخبار:
«المجتمع الدولي يُعرب عن قلقه البالغ».
وكأن القلق صار بديلاً عن الضمير، وكأن بيانات الإدانة تُرمّم جثث الأطفال.
أيّ مجتمعٍ هذا الذي يكتفي بالتصفيق للقاتل؟
وأيّ إنسانٍ هذا الذي يتحدّثون عنه في مواثيقهم، بينما يُدفن الإنسان الحقيقي في غزة بلا كفنٍ ولا شاهد؟
حقوق الإنسان؟ كلمةٌ جميلة تُكتب بخطٍّ أنيق على جدران الأمم المتحدة، لكنها لا تجد طريقها إلى مخيمٍ محاصرٍ بالموت واللامبالاة.
لقد سقطت الأقنعة كلّها.
سقط قناع «الشرعية الدولية» التي تُعطِّلها واشنطن متى شاءت،
وسقط قناع «الحياد» الذي صار اسماً مستعاراً للانحياز،
وسقط قناع «الإنسانية» التي اختارت أن تغمض عينيها حين كان يجب أن تصرخ.
غزة لم تعد تبحث عن العدالة، فهي تعرف أن العدالة ماتت في أروقة مجلس الأمن.
غزة اليوم تقاتل لتبقى على خريطة الوجود، لتقول للعالم:
أنا لستُ رقماً في تقريرٍ أممي، ولا فقرةً في خطابٍ مزيّف،
أنا الأرض التي تُقاوم النسيان، والدم الذي يكتب على الرمل ما عجز الحبر عن قوله.
من مخيم الشاطئ إلى خانيونس ورفح، منازلٌ تهدمت، وذكرياتٌ ذهبت مع الغبار، وأطفالٌ صاروا أسماءً تُستعاد فقط في أحاديث البقاء.
سيأتي يومٌ تُعيد فيه الإنسانية امتحانها أمام غزة، وسيُسأل «المجتمع الدولي» عن صمته،
وسيُسأل دعاة «حقوق الإنسان» عن تواطئهم، لكنّ غزة رغم جراحها ستبقى الشاهد والضحية.
محمود كلّم، كاتبٌ وباحثٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال..



أضف تعليق
قواعد المشاركة