غزّة... آخرُ ما تبقّى من شرفِ الأُمّة!
محمود كلّم
كاتب فلسطينيكأنّها لم تعُدْ الأمةَ التي كانت يوماً تحمل مشاعلَ العزّ والكرامة.
كأنّها لم تعُد تلك التي كانت إذا أُهين فيها رجلٌ، اهتزّت قلوبُ الملايين، وانتفضت الأرضُ تحت أقدامهم غضباً وغيرةً.
أمّا اليوم... فقد غدت أمةً تُوجَّه إليها الإهانةُ من هنا وهناك، فيُقال لها باستهزاءٍ:
"فلتواصلوا ركوبَ الجِمال في الصحراء!"
فتصمت، وكأنّها أضاعت لغتَها، وكأنّ الدمَ العربيَّ قد جفَّ في العروق، فلا نخوةَ... ولا مروءةَ... ولا من يغضب.
أيُّ زمنٍ هذا الذي تهاوت فيه القيم، وتحوّل الكبرياءُ إلى ذكرياتٍ تُروى على استحياء؟
أيُّ غيبوبةٍ تلك التي جعلتنا نرى الطغيانَ يعبث بأقدس مقدّساتنا، ويذبح أبناءَنا في غزّة أمام أعيننا، فلا يتحرّك فينا ساكن؟
أمّةٌ كانت تُسمّى "خيرَ أمةٍ أُخرجت للناس"، غدت اليوم أمةً تراقب المشهد من وراء الشاشات،
تذرف دمعةً باردةً، ثم تعود إلى صمتها.
غزّة تنزف منذ عقود،
والأطفال فيها يولَدون على صوتِ القصف لا التهليل،
يُحاصَرون بالدمّ والرّماد، ويسألون: أين العرب؟
فلا يأتيهم الجواب.
يبحثون عن نخوةٍ ضاعت بين القصور والمصالح، وعن كرامةٍ غُلِّفت بالخذلان.
غزّة تصرخ... والأمّة تصمت.
غزّة تحترق... والأمّة تساوم.
غزّة تدفن أبناءَها... والأمّة تدفن ضميرَها.
لقد بات الحَضيض مقامًا للأمّة، لا محطةً نمرّ بها.
أصبحنا نعيش على فتات المواقف، ننتظر كلمةً من الغرب تشفق علينا أكثر منّا على أنفسنا.
نُقنع أنفسَنا أنّ العجزَ حكمة، وأنّ الصمت سياسة، وأنّ السكوت هو "التعقّل".
لكنّ الحقيقة أنّنا فقدنا شيئاً أغلى من الأرض: فقدنا الروح والكرامة والشهامة.
متى تغضب هذه الأمّة؟
متى تهتزّ من سباتها العميق وتصرخ: كفى؟
متى تُدرك أنّ التاريخ لا يرحم الضعفاء، وأنّ الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم؟
يا أمّة العرب،
يا أمّة الإسلام،
غزّة لا تطلب منكم المستحيل، تطلب فقط أن نحيا بكرامةٍ كما تحيا هي بالموت،
أن نغضب كما تغضب هي تحت القصف،
أن نحيا كما يموت أطفالُها بشرف.
أمّةٌ لا تغضب لغزّة، كيف ستغضب لنفسها؟
وكيف ستنهض إن كانت قد اعتادت الركوع؟
محمود كلّم، كاتبٌ وباحثٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.



أضف تعليق
قواعد المشاركة