مروان البرغوثي… القائد الذي لم تغب روحه عن الوطن!
محمود كلّم
كاتب فلسطينيفي الزنازين البعيدة، حيث يختلط الليل بالحديد، يقبع مروان البرغوثي منذ أكثر من عشرين عاماً؛ جسدٌ أسير خلف الجدران، وروحٌ تجوب فلسطين كلّها. لم تنكسر ملامحه، ولم تبهت قسماته، بل صار وجهه رمزاً لصبرٍ يوازي عمر الجرح الفلسطيني.
مروان البرغوثي… ذاك الفدائيّ القادم من أزقّة رام الله، حمل الحلم مبكّراً، ونذر عمره من أجل أن تبتسم الأرض. لم يكن زعيماً في المكاتب، ولا قائداً في القصور، بل كان واحداً من الناس، ابن المخيّمات وصوتهم حين خفتت الأصوات.
واليوم، بعد كلّ هذه السنوات، ما زال اسمه يتردّد في أروقة السجون، وفي مقاهي الوطن، وعلى شفاه الأمهات اللواتي يحفظن وجهه كما يحفظن وجه القدس.
كشف الأسير المحرَّر شادي الشرفا للإعلامي المصري محمد ناصر في تسجيلٍ مصوَّر، عن حديثٍ دار بينه وبين الأسير مروان البرغوثي خلال وجودهما في سجن هدّاريم، حيث أفاد مروان البرغوثي بأن "هناك شخصيات فلسطينية طلبت من المخابرات المصرية ألّا يتم الإفراج عنه نهائياً، وألّا يتم إدراجه في أيّ عملية تبادلٍ للأسرى مستقبلاً."
لكن المؤلم أكثر من السجن، أن يكون خلف القضبان ليس فقط لأنّ الاحتلال أراده هناك، بل لأنّ بعضاً من أبناء حركته يخشون حريته.
يخشونه لأنّه ما زال نقيّاً في زمنٍ امتلأ بالتنازلات، ويخشونه لأنّ صوته، إن عاد، سيوقظ ما حاولوا دفنه، ويخشونه لأنّه ما زال يحمل "فتح" التي كانت، لا "فتح" التي صارت.
وكيف لا يخافونه؟ وهو الذي، إن خرج، قد يُعيد ترتيب البيت الفلسطيني من جديد، بيتاً بلا تنسيقٍ أمنيٍّ مقدّس، بلا انقسام، بلا وجوهٍ تقتات على بؤس المخيّمات.
في سجن هدّاريم، يقولون إنّ مروان يبتسم كثيراً، ربما لأنّه يعرف أنّ الحديد لا يهزم الفكرة،
وأنّ القيد لا يُكمّم الذاكرة، وأنّ الحرية تبدأ حين يؤمن الأسير أنّه ما زال قادراً على الأمل.
ومع ذلك، كم هو موجع أن يتحوّل حلم الإفراج عنه إلى ورقةٍ سياسية، وأن يصبح المناضل رهينة صراعاتٍ داخليةٍ لا تقلّ قسوةً عن أسوار الاحتلال.
مروان البرغوثي ليس فقط أسيراً في زنزانةٍ ضيّقة؛ إنّه مرآةٌ لوطنٍ يئنّ، لوطنٍ يخشى أبناءه الأحرار أكثر مما يخشى سجّانه، لوطنٍ باتت حريته مؤجّلة، مثل مروان نفسه.
سيبقى مروان البرغوثي، مهما طال الزمن، عنواناً للثبات، وشاهداً على زمنٍ خذل الأوفياء.
وسيأتي يوم، مهما تأخّر، تُفتح فيه الأبواب، ويخرج مروان لا كمنتصرٍ على الاحتلال فحسب، بل كمنتصرٍ على الصمت، على الخوف، وعلى الخيانة.
حتى ذلك اليوم،
يبقى صوته همساً في الريح: "قولوا لهم… ما زلت هنا، وما زالت فلسطين في القلب."
محمود كلّم، كاتبٌ وباحثٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.
أضف تعليق
قواعد المشاركة