من نيبال إِلى غزّة: حين يُغلِقُ الحاكمُ أُذُنيهِ عن صرخاتِ شعبهِ!
محمود كلّم
كاتب فلسطينيالقمع لا يقتل الأفكار، بل يورثها مزيداً من الاشتعال. وكل كلمة مكتومة تتحول جمراً تحت الرماد، تنتظر ريحاً صغيرة لتتحول ناراً تعصف بكل شيء.
في نيبال، ظن الحاكم أن السلطة حصنٌ لا يُهدم، وأن الكرسي جدارٌ منيع لا يتصدع. عاش كإمبراطور بين حاشية فاسدة تنهب وتكنز، فيما الشعب يغرق في الفقر والحرمان. حاولوا إسكات الأصوات، وإغلاق الأفواه، لكن ساعة الحساب جاءت لا محالة.
بضعة مقاطع عابرة على "تيك توك" لأبناء المسؤولين في حفلات باذخة وسيارات فارهة، كانت الشرارة.
جيل الشباب حوّل المنصات إلى ساحات مواجهة، والفيديوهات انتشرت كالنار في الهشيم. تفضح الترف، تعري الفساد، تكشف فجوةً هائلة بين قصور الحكام وأكواخ الناس. وما إن فاض الكيل حتى انفجر البركان في الشوارع، ليمحو جبروت السلطة كما يمحو الموج آثار الأقدام على الرمل.
هرب بعضهم بطائرات خاصة، وتوارى آخرون في مخابئ مظلمة، لكنهم جميعاً كانوا يجرّون خلفهم لعنة شعب خانوه.
والسؤال الذي يقضّ مضجع كل عربي: أليست هذه المرآة صورةً مصغرةً لأوطاننا؟
أليس الفساد الذي أطاح نيبال هو ذاته الذي ينخر بلاد العرب؟
هنا قصور وأسوار شاهقة، وسجون تزداد اتساعاً، وحكام يظنون أن الأبراج العالية تحميهم من الغضب. لكنهم لا يدركون أن الموج حين يعلو لا تعصمه أسوار ولا حرس.
وليس العرب بمعزل عن هذه المعادلة. في فلسطين مثلاً، تحولت السلطة إلى سلطةٍ على الشعب، لا سلطةٍ له. اختارت أن تبني بقاءها على التنسيق الأمني مع الاحتلال، تحت شعار " التنسيق الأمني المقدس"، فقمعَت أصواتاً وأطفأت أنفاساً ( الشهيد نزار بنات)، واعتقلت شباباً وصحفيين وطلاباً.
من يفترض أن يحمي الناس صار يحمي الكرسي، ويطارد كل من يجرؤ على فضح الفساد أو الاعتراض على نهج الاستسلام. وهكذا، بدلاً من أن تكون خندقاً في مواجهة الاحتلال، غدت سياجاً يمنع الغضب من الوصول إلى من يسبّب الجرح.
وفي غزة، المشهد أشد إيلاماً. هناك يُذبح الناس تحت نار الحصار والقصف، يُباد أطفالهم وتُسوّى بيوتهم بالأرض، فيما كثير من عواصم العرب اختارت الصمت أو بيانات الشجب الخجولة. بعضهم فضّل صفقات التطبيع، وآخرون آثروا مصالح اقتصادية وعسكرية على حساب دماء الأبرياء. شعوبهم تخرج في الشوارع صراخاً وبكاءً، أما حكامهم فيجلسون خلف الطاولات يتبادلون الابتسامات مع ساسة تل أبيب وواشنطن.
لقد باعوا النفط والغاز بلا ثمن، وأذلهم ساسة واشنطن فلم يحمِهم أحد. لم تنفعهم الصفقات ولا الأسلحة ولا التحالفات. لم يقهم الغرب حتى من ذبابة... ولا من برغشة.
حكام العرب اليوم يعيشون وهماً اسمه "الأمان"، فيما شعوبهم تختنق بالفقر والقهر وتغرق في الدماء. والدرس أمامهم جليّ: من لا يسمع أنين شعبه، سيستيقظ ذات يوم على هدير طوفانٍ لا يرحم، طوفانٍ لا يميّز بين قصرٍ منيف أو برجٍ عالٍ، ولا بين من ظنّ نفسه محصناً وبين من عاش مستضعفاً.
[محمود كلّم] كاتبٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال

أضف تعليق
قواعد المشاركة