غزة.. حين انقلب التاريخ من مهبط الرسالات إلى مهبط الطائرات!

منذ 20 ساعة   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني


في الأزمنة البعيدة، كان الشرق الاوسط  قلب العالم، ونافذة السماء إلى البشر، ومسرح الوحي الذي غيَّر وجه التاريخ. على هذه الأرض مشت أقدام الأنبياء، ومنها صعدت الدعوات، ومنها أشرقت الكلمات الأولى التي بشّرت بالعدل والرحمة والسلام. لم يكن الشرق الأوسط مجرّد جغرافيا، بل كان مرآةً للروح الإنسانية ومهداً للنور.

لكن أي يدٍ طمست النور بالظلام؟ كيف تحوّل مهبط الوحي إلى مهبطٍ للطائرات الحربية الأميركية والصهيونية؟ طائرات لا تحمل بشارة ولا سلاماً، بل تقذف حمماً من نار وحديد، تمطر موتاً لا حياة.

اليوم، حين ترفع عينيك إلى سماء غزة، لن ترى أسراب الطيور، ولا غيوم الرحمة، بل سترى أزيزاً معدنيّاً يفتح أبواب الجحيم. كأن التاريخ انقلب رأساً على عقب: الأرض التي حملت رسالة "سلام على من اتبع الهدى" غدت جرحاً مفتوحاً تحت قصف لا يعرف الرحمة.

في غزة، الأطفال لا يحفظون أسماء الأنبياء بقدر ما يحفظون أسماء الطائرات: "إف-16"، "إف-35"، "الدرون". صارت هذه مفردات طفولتهم، بدلاً من قصص يوسف وموسى وعيسى ومحمد. أي قسوة أن تختزن ذاكرة البراءة أصوات الانفجارات بدلاً من أناشيد الأمهات؟

كان يُفترض أن تكون هذه المنطقة جسراً يربط الأرض بالسماء، فإذا بها تتحول إلى مسرح تُختبر فيه أحدث آلات القتل. هنا يسقط القناع عن العالم: شعارات الحرية والعدالة تنهار عند أول صاروخ يبتلع بيتاً آمناً.

ويبقى السؤال المرير: كيف صار الوحي يوماً يحمل للناس خبراً من الله، بينما تحمل السماء نفسها اليوم خبراً من البنتاغون؟ كيف تحوّل المهبط من رسالة تُضيء الدروب إلى قنابل تُطفئ الأرواح؟

في غزة تنكشف الحقيقة: الشرق الأوسط لم يعد مهوى القلوب لأنه منبع الأنبياء، بل لأنه حقل تجارب للسلاح، وبئر نفطٍ لا ينضب، و"موقع استراتيجي" على خرائط الجيوش. أما أهله، أصحاب الأرض والذاكرة، فقد حوّلهم العالم إلى أرقام في نشرات الأخبار، وصورٍ عابرة على شاشات لا تبكي معهم ولا لأجلهم.

ومع ذلك، يظل في هذه الأرض ما يذكّر بتاريخها المقدّس: صمود رجال ونساء يحملون أرواحهم على أكفّهم، يواجهون الطائرات بالحجارة، ويؤمنون أن السماء – التي كانت يوماً مهبط رحمة – ستعود لتكون لهم نصيراً، مهما طال ليل القصف.

 

[محمود كلّم] كاتبٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنَين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.

مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

غزة.. حين انقلب التاريخ من مهبط الرسالات إلى مهبط الطائرات!

في الأزمنة البعيدة، كان الشرق الاوسط  قلب العالم، ونافذة السماء إلى البشر، ومسرح الوحي الذي غيَّر وجه التاريخ. على هذه الأرض مشت… تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    معايدة رمضانية 

تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

 رمضان كريم 
نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى.

كل عام وأنتم بخير 
    معايدة رمضانية  تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.  رمضان كريم  نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى. كل عام وأنتم بخير