الطفلة شام تسأل عن الطعام في الجنة، وغزة تموت جوعاً!
محمود كلّم
كاتب فلسطيني"بالجنة في أكل يا ماما؟"
بهذه الكلمات البريئة، طرحت الطفلة شام من قطاع غزة سؤالاً على والدتها، لم يكن بسيطاً كما يبدو، بل كان أشبه بنداء استغاثة، أو صرخة جوع خرجت من قلب طفلة لم تَعُد ترى في الحياة أملاً... بل ترى في الموت خلاصاً.
أجابت الأم بصوت مكسور تحاول فيه دفن ألمها:
"في أكل كثير، وفواكه كمان يا ماما."
لكن الطفلة لم تفرح بالإجابة، بل قالت بما يشبه الطعنة:
"أنا بدي أموت عشان آكل."
هكذا ببساطة، عبّرت شام عن واقع مرير يعيشه أطفال غزة، واقع يتجاوز حدود الفقر، ليصل إلى حدود الموت البطيء عبر الحصار والتجويع.
غزة، التي أنهكتها الحرب ودمّرتها القذائف، تُقتل اليوم بأسلوب أكثر قسوة: الجوع.
في ظل الحصار المستمر، وانعدام سبل المعيشة، وغياب المواد الغذائية الأساسية، باتت العائلات عاجزة عن تأمين وجبة واحدة يومياً، بينما يقف الأطفال في الطوابير، لا أمام مخابز، بل أمام الموت.
وقد أطلقت منظمات إنسانية عدة تحذيرات متكررة من انهيار الوضع الغذائي والطبي في القطاع، إلا أن العالم لا يزال يكتفي بالمراقبة والبيانات الجاهزة، من دون أي تحرّك حقيقي لإيقاف المأساة.
بينما يعيش أطفال غزة على الأمل المعلّق، والماء القليل، والرغيف النادر، يزداد الشعور في الشارع الفلسطيني بأنهم تُركوا وحدهم.
خذلهم العرب، حين اكتفوا بالشجب، وتركوا القضية تتآكل في الهامش السياسي.
وخذلهم المسلمون، حين تحوّلت فلسطين من "قضية مركزية" إلى مجرد وسمٍ عابر على وسائل التواصل.
وخذلهم العالم، حين أدان القصف، لكنه صمت عن التجويع، وكأن الموت بالرصاص يستحق الإدانة، أما الموت جوعاً فهو مجرد "نتيجة جانبية".
قصة الطفلة شام ليست استثناءً، بل هي صورة من آلاف القصص التي لم تصل بعد إلى وسائل الإعلام.
قصص أطفال لا يملكون ما يسدّ رمقهم، ويبحثون في الركام عن كسرة خبز، أو في السماء عن بابٍ للجنة.
وها نحن نكتب، لا بانتصار ولا بطمأنينة، بل بانكسارٍ مرّ، يليق بعصر خذل فيه الجميع غزة.
لقد خذلنا الأطفال، خذلنا الأمهات، خذلنا الآباء.
خذلناهم يوم اخترنا الصمت، ويوم اكتفينا بالمشاهدة، ويوم جعلنا من آلامهم مجرد محتوى.
وغزة؟
لا تزال واقفة، رغم الجوع والخذلان.
لكننا – نحن – من سقط في امتحان الإنسانية.
سامحينا يا شام...
فنحن العالم الذي خذلكِ.
[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.

أضف تعليق
قواعد المشاركة