غزة... الدم الذي لا يُبكي العالم كما أبكته "شارلي إيبدو"!

منذ شهرين   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني

في مشهدٍ ما زال عالقاً في ذاكرة العالم، خرج قادة الدول الكبرى، ومن بينهم رؤساء دول عربية، في يناير 2015، يسيرون في صفٍّ واحد وسط باريس، احتجاجاً على هجوم استهدف صحيفة "شارلي إيبدو". رفرفت يومها أعلام فرنسا في العواصم، وأُعلنت الحرية "قيمةً مقدسة لا يمكن المساس بها". يومها، بكى العالم على الكلمة، وهبّ لنصرة الحبر.

 

لكن اليوم، تسيل الدماء في غزة أنهاراً، تُقصف الأحياء على رؤوس الأطفال، يُنتشل الرضع من تحت الركام، ويُباد شعبٌ أعزل أمام مرأى ومسمع العالم... ولا أحد يتحرّك. لا مظاهرات، لا زعماء يسيرون في صفوف، لا أعلام تُرفع، ولا كرامة تُستحضر. وحده الصمت، الصمت الثقيل، هو الموقف العالمي.

 

أكثر من 21 شهراً من القصف المتواصل، والقتل الممنهج، والحصار الخانق. أكثر من 60 ألف شهيد، أغلبهم من النساء والأطفال، عشرات الآلاف من الجرحى، وملايين المشردين بلا مأوى، بلا دواء، بلا أمل. غزة ليست مجرد مدينة تُقصف، إنها ذاكرة تُمحى، وهوية تُحرق، وحياة تُسحق على مرأى العدسات.

 

العالم يعرف، يرى، يسمع... لكنه لا يفعل شيئاً. يُدير وجهه، يتلعثم حين يُسأل، ويتحجّج بـ"الحياد" و"التوازن"، بينما الكفّة تميل كلها نحو المجازر.

 

نفس الزعماء الذين بكوا في باريس على حرية التعبير، صمّوا آذانهم عن صرخات الأطفال تحت الأنقاض في غزة. أولئك الذين أقاموا الدنيا من أجل رسمة، بلعوا ألسنتهم أمام قتل الإنسان الفلسطيني، لمجرّد أنه وُلد في المكان الخطأ من وجهة نظرهم.

 

وحتى عرب اليوم، من الأنظمة الرسمية، وقفوا يتفرّجون. بعضهم برّر، بعضهم سكت، وبعضهم استضاف القاتل. أين العروبة؟ أين الغضب الذي خرج لأجل صحيفة فرنسية؟ هل حياة الفلسطيني أقلّ قيمة من ورقة منشورة؟ هل دمُنا رخيص إلى هذا الحد؟

 

ما يجري في غزة ليس مجرد حرب، بل لحظة انكشاف أخلاقي وإنساني. إنه اختبارٌ سقط فيه الكثيرون. غزة اليوم تُعرّي الخطاب الغربي، وتُسقط كل أقنعة الحضارة. تُظهر أن الحقوق لا تُوزّع بعدالة، وأن الحرية حكرٌ على من يملك القوة، لا على من يستحقها.

 

لكن، رغم كل هذا، ما زالت غزة تنبض. تُقاوم بالجوع، تُحارب بالأنين، وتُصلّي تحت النار. شعبها المذبوح ما زال يرفع رأسه، يكتب بدمه ما عجزت عنه عواصم، ويُعلّمنا أن الكرامة لا تموت.

 

سيكتب التاريخ أن العالم وقف يتفرّج على غزة تُباد. سيكتب أن الضمير الإنساني اختنق في دخان الصواريخ، وأن العدل مات بصمتٍ على شاطئ غزة. لكنها لن تموت. لأن من يحمل روحه على كفّه لا يُهزم، ومن يعرف أن الحق في صفّه لا يُكسر.

 

غزة... لا تحتاج دموعنا، بل تحتاج أن نستفيق من هذا الموت الأخلاقي الجماعي.

 

[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.


مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

من نيبال إِلى غزّة: حين يُغلِقُ الحاكمُ أُذُنيهِ عن صرخاتِ شعبهِ!

القمع لا يقتل الأفكار، بل يورثها مزيداً من الاشتعال. وكل كلمة مكتومة تتحول جمراً تحت الرماد، تنتظر ريحاً صغيرة لتتحول ناراً تعصف ب… تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    معايدة رمضانية 

تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

 رمضان كريم 
نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى.

كل عام وأنتم بخير 
    معايدة رمضانية  تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.  رمضان كريم  نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى. كل عام وأنتم بخير