ما بين "الشجرة" وغزة... أنشودة الدم التي لا تموت!
محمود كلّم
كاتب فلسطينيفي الثالث عشر من تموز عام 1948، استُشهد الشاعر والمناضل الفلسطيني عبد الرحيم محمود في قرية الشجرة، قرب الناصرة، وهو يهتف في معركةٍ لم يُكمل فيها بيت شعره الأخير:
"سأحمل روحي على راحتي..."
مرّت 77 عاماً على ذلك المشهد، ولم ينتهِ النشيد، ولم يجفّ الدم. يتكرّر موت عبد الرحيم يومياً في شوارع غزة، وفي زنازين الضفة، وفي خيام الشتات، لكن بأسماء جديدة، ووجوه صغيرة لا تعرف بعد معنى أن "تُسَرّ الصديق"، أو أن "يغيظ العِدا".
في غزة اليوم، يولد الطفل وسط الركام، كما لو كانت القذائف أمهاته، والحصار مدرسته الأولى.
وفي الضفة، يُعتقل الأحرار لا بأيدي الاحتلال فحسب، بل بأوامر من "أبناء جلدتنا" ، في مشهدٍ يُوجِع الشهداء قبل الأحياء.
عبد الرحيم محمود لم يكن مجرّد شاعر. كان يؤمن أن الكلمة موقف، وأن القصيدة بندقية. رفض اعتقال الثائرين، فاستقال من عمله، ثم استُشهد مقاتلاً.
واليوم، كم من الكلمات تُعتقل؟ وكم من القصائد تُقمع؟ وكم من البنادق صارت ممنوعة حتى في وجه العدو؟
لم تكن "الشجرة" شجرةً مثمرة، بل قريةً اقتُلعت كما اقتُلعت مئات القرى. لكنها أزهرت شهداء، وعلى رأسهم شاعرٌ لم تزل قصائده تُتلى في الزنازين، وتُغنّى في أحضان الأمهات، وتُكتب على جدران البيوت المهدّمة.
إننا لا نرثي عبد الرحيم محمود، بل نرثي الزمن الذي كان فيه الشعر سلاحاً، والمنفى حالة مؤقتة، والقصيدة وعداً بالعودة، لا مرآة للهزيمة.
الشعب الذي أنجب الشاعر عبد الرحيم محمود لا يموت.
لكنه اليوم... مُنهك، محاصر، ويقاوم بالأغنية حين تُمنع البندقية.
ارقد بسلام يا من متّ واقفاً،
فنحن... ما زلنا نحاول أن نحمل أرواحنا كما علّمتنا، لكن تحت أنقاض الأمل.
[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.

أضف تعليق
قواعد المشاركة