غزّة... آخرُ ما تبقّى من إِنسانيّتِنا!

منذ 3 أشهر   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني

من يظنّ أن غزة تنزف اليوم، فليُراجع نفسه. إنما غزة لا تنزف... بل تتبرع، عن طيب خاطر، بدمائها لأمّةٍ ماتت فيها الحياة، وغابت عنها النخوة. أمةٌ أصبحت بلا دم، بلا إحساس، بلا حتى القدرة على الغضب.

 

في كل مرة تُقصف فيها غزة، لا نسمع سوى صمت العالم، وتبريرات القتلة، وتصريحات الشجب الخجولة. لا شيء يتغيّر إلا عدد الشهداء، الذي يرتفع كما لو أننا نعدّ أرقاماً لا أرواحاً. أطفال يُنتشلون من تحت الركام، نساءٌ تركضن حافياتٍ بين الأنقاض، رجالٌ يُودّعون أبناءهم بلا وداع... ثم يمضي العالم إلى نشرته التالية.

 

غزة اليوم ليست فقط ضحية حرب، بل ضحية خذلانٍ عربي، وصمتٍ إسلامي، وجُبنٍ دولي. كل بيتٍ يُقصف هناك يصفع ضمير هذه الأمة، وكل دمعة تُذرف في غزة تُغرق ما تبقّى من ماء وجوهنا. لكننا نتقن التجاهل، ونجيد التعايش مع الدم، كأنه لونٌ معتاد في شاشاتنا.

 

ليست غزة بحاجة إلى دموعنا، ولا إلى شعاراتنا الجوفاء. هي بحاجة إلى كسر هذا الحصار الذي بات يختنق منه الهواء نفسه. بحاجة إلى صوتٍ صادق، إلى موقف لا يُحسب ألف مرة قبل أن يُقال. بحاجة إلى أن نتوقف عن اعتبارها مجرد نشرةٍ إخبارية قبل النوم.

 

غزة اليوم تتبرع لنا بما تبقّى من شرف. تمنحنا فرصةً لنستيقظ، لنتذكّر من نحن، لندرك أننا على وشك فقدان آخر ما يربطنا بتاريخنا، وهويتنا، وإنسانيتنا.

 

وغزة... تبيت الليالي على صوت الطائرات، وتصحو على أسماء الشهداء. لا وقت فيها للبكاء، ولا مكان للنجاة. وحدها تحتضن جراحها، وتضمّ أشلاءها كأنها تُغني لطفلٍ لن يعود.

 

وكلما سقط شهيد، سقطت قطعة من كرامتنا معه. وكلما تهدّم بيت، تهدّمت فينا إنسانيتنا.

 

سنعود إلى نومنا العادي، وأعمالنا المعتادة، لكن غزة لن تنام. ستسهر مع أمٍّ تنتظر ابناً تحت الأنقاض، ومع طفلةٍ تحضن دُميتها الوحيدة في مركز إيواء، ومع عجوزٍ تنظر إلى السماء ولا تسأل شيئاً... فقد تعبت من الأسئلة.

 

يا غزة... سامحينا، فقد اعتدنا موتك.

سامحينا، لأننا لم نعد نشعر أن صراخك يخصّنا.

سامحينا، لأننا لم نعد نبكي كما يليق بمن فقد كلّ شيء.

 

[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.


مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

من نيبال إِلى غزّة: حين يُغلِقُ الحاكمُ أُذُنيهِ عن صرخاتِ شعبهِ!

القمع لا يقتل الأفكار، بل يورثها مزيداً من الاشتعال. وكل كلمة مكتومة تتحول جمراً تحت الرماد، تنتظر ريحاً صغيرة لتتحول ناراً تعصف ب… تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    معايدة رمضانية 

تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

 رمضان كريم 
نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى.

كل عام وأنتم بخير 
    معايدة رمضانية  تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.  رمضان كريم  نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى. كل عام وأنتم بخير