مجزرة مدرسة صيدا الرسميَّة – المدخل الجنوبي: حين تحوَّل الملجأُ إلى مقبرةٍ!

منذ 3 أشهر   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني

ظهر يوم 6 حزيران 1982، قطعتُ المسافة مشياً على الأقدام من منطقة أبو الأسود إلى مدينة صيدا، وكان برفقتي أخي الأصغر أحمد. لم نكن نعرف إلى أين سيقودنا المسير، لكننا هربنا من القصف، نحمل الخوف في أعيننا والقلق في قلوبنا.

 

وصلنا إلى مدينة صيدا مساء ذلك اليوم، وبتنا ليلتنا في منطقة حي الحاج حافظ، وظننا أننا وجدنا ملاذاً مؤقتاً من أهوال الحرب، لكن بعد ليلتين فقط، وفي يوم 8 حزيران، كانت طائرات الاحتلال تجوب سماء المدينة على علوٍّ منخفض، تكاد تلامس أسطح المباني، حتى بدا صوتها كصفير الموت القادم.

 

في ذلك اليوم الأسود، استهدفت الطائرات مدرسة ثانوية صيدا الرسمية – المدخل الجنوبي، حيث لجأ إليها مئات المدنيين من الجنوب، بحثاً عن الأمان، لكن المكان تحوّل إلى مقبرة جماعية، فقد دمّرت الطائرات المدرسة بمن فيها.

لم ينجُ إلا قلة قليلة، وكان جميع من في الملجأ من الأبرياء.

 

تقع المدرسة شرق مدرسة الراهبات عند المدخل الجنوبي للمدينة.

كانت الانفجارات تهزّ الأرض، كأن القيامة قد قامت. سحب الدخان ملأت السماء، والصراخ امتزج بصوت الطائرات والصواريخ. ركضتُ وتوقفتُ بجانب حائطٍ مهدّم، وهناك رأيت شاباً محترقاً لا يزال حياً. معالم وجهه كانت قد تغيّرت تماماً، لكنه بدأ يتحدث إليّ وكأنه يعرفني، وكان صوته مألوفاً.

 

تحدث معي مطوّلاً، وفي النهاية قال لي بصوت حزين: "ماذا أصابك يا محمود؟ وأين أهلك؟"

كلماته كانت كوقع الصاعقة. كيف يعرفني؟ من هو؟

بعدها فقط عرفت أنه زميلي في المدرسة المتوسطة، حسن الطايع، الذي نجا من المجزرة، لكنه فقد كل شيء.

خسر حسن أكثر من أربعين فرداً من عائلته ومن أبناء عشيرته "عرب السويطات".

 

نجا بجسده، لكنه خرج محمولاً بجراح لا تشفى، وبذاكرة لن تهدأ.

 

كم من مجزرة تحتاجها أرواحُنا حتى نفهم أن الدم ليس مجرد خبرٍ عابر؟ وكم من شهقةِ طفلٍ تحت الركام، أو نظرةِ أمٍّ تنبش التراب بيديها، تكفي لتوقظ ضمير العالم؟

في مدرسة صيدا الرسمية – المدخل الجنوبي، لم تُقتل الأجساد فقط، بل قُتلت الأحلام والذاكرة. أطفالٌ لم يعرفوا من الحياة سوى الهرب، نساءٌ حملن الخوف بدل الأطفال، وشيوخٌ ماتوا مرتين: مرةً بالقصف، ومرةً بالنسيان.

 

ماتوا، ولم يسأل أحد عنهم.

ماتوا، والسماء لا تزال مفتوحة للطائرات ذاتها.

ماتوا، ونحن نعيش كأنّهم لم يكونوا.

 

نجا حسن الطايع بجسده، لكن قلبه ظلّ هناك، تحت أنقاض المدرسة، يصيح: لا تنسونا... لا تتركوا ذاكرتنا تحترق كما احترقت أجسادنا.

 

ربما يكون الموت أهون من أن تُقتل مرتين: مرةً بالصاروخ، ومرةً بصمت العالم.

 

بعد مرور أكثر من أربعة عقود على مجزرة مدرسة صيدا الرسمية – المدخل الجنوبي، لا تزال دماء الأبرياء تصرخ في وجه النسيان. لم تُشكَّل لجنة تحقيق مستقلة، ولم تُنشر قوائم رسمية توثّق أسماء الشهداء الذين قضوا في ذاك الملجأ الذي تحوّل إلى مقبرة، ولا أرشيف وطني يحفظ حكاياتهم. وحدها ذاكرة من عاشوا الفاجعة تحتفظ بالأسماء، بالوجوه، بالصراخ المكتوم تحت الركام.

فكيف تُبنى ذاكرة وطنٍ بلا أسماء لشهدائه؟ وكيف نكتب تاريخنا إذا أصرّ الرسميون على محوه بالصمت؟

 

[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.

..........................

 

من شهداء عشيرة عرب السويطات في مجزرة مدرسة صيدا الرسمية – المدخل الجنوبي يوم 8 حزيران 1982:

 

1. حامد أحمد الأحمد / مواليد 1938، جدين - فلسطين.

 

2. خبصة حسين الأسعد / مواليد 1944، الكابري - فلسطين.

 

3. سلوى حامد الأحمد / مواليد 1963، جمجيم - أبو الأسود.

 

4. سميرة حامد الأحمد / مواليد 1965، جمجيم - أبو الأسود.

 

5. سعاد حامد الأحمد / مواليد 1966، جمجيم - أبو الأسود.

 

6. أحمد حامد الأحمد / مواليد 1969، جمجيم - أبو الأسود.

 

7. زياد حامد الأحمد / مواليد 1971، جمجيم - أبو الأسود.

 

8. إياد حامد الأحمد / مواليد 1972، جمجيم - أبو الأسود.

 

9. أيمن حامد الأحمد / مواليد 1974، جمجيم - أبو الأسود.

 

10. إيمان حامد الأحمد / مواليد 1976، جمجيم - أبو الأسود.

 

11. زكي حامد الأحمد / مواليد 1978، جمجيم - أبو الأسود.

 

12. ذيبة حسين الأسعد / مواليد 1938، الكابري - فلسطين.

 

13. كاملة محمود الأحمد / مواليد 1960، جمجيم - أبو الأسود.

 

14. نعيم محمود الأحمد / مواليد 1964، جمجيم - أبو الأسود.

 

15. ياسر محمود الأحمد / مواليد 1968، جمجيم - أبو الأسود.

 

16. يسرى محمود الأحمد / مواليد 1970، جمجيم - أبو الأسود.

 

17. مها محمود الأحمد / مواليد 1972، جمجيم - أبو الأسود.

 

18. نهى محمود الأحمد / مواليد 1974، جمجيم - أبو الأسود.

 

19. حسان محمود الأحمد / مواليد 1976، جمجيم - أبو الأسود.

 

20. فضة قاسم عوض / مواليد 1908، جدين - فلسطين.

 

21. طمشة محمد الأحمد / مواليد 1910، جدين - فلسطين.

 

22. رفاعية يوسف الناصر / مواليد 1910، بلد الشيخ - فلسطين.

 

23. عليا حسين الأسعد / مواليد 1940، فلسطين.

 

24. منى علي الأحمد / مواليد 1965، جمجيم - أبو الأسود. .

 

25. تمام علي الأحمد / مواليد 1970، جمجيم - أبو الأسود.

 

26. هيام علي الأحمد / مواليد 1971، جمجيم - أبو الأسود.

 

27. ابتسام علي الأحمد / مواليد 1973، جمجيم - أبو الأسود.

 

28. حسن علي الأحمد / مواليد 1975، جمجيم - أبو الأسود.

 

29. فاطمة خالد درويش / مواليد 1943، فلسطين.

 

30. عماد نايف الأحمد / مواليد 1966، جمجيم - أبو الأسود.

 

31. ناديا نايف الأحمد / مواليد 1967، جمجيم - أبو الأسود.

 

32. فادية نايف الأحمد / مواليد 1969، جمجيم - أبو الأسود.

 

33. فادي نايف الأحمد / مواليد 1972، جمجيم - أبو الأسود.

 

34. أحمد نايف الأحمد / مواليد 1973، جمجيم - أبو الأسود.

 

35. هيثم نايف الأحمد / مواليد 1976، جمجيم - أبو الأسود.

 

36. شادية نايف الأحمد / مواليد 1977، جمجيم - أبو الأسود.

 

37. باسم نايف الأحمد / مواليد 1979، جمجيم - أبو الأسود.

 

38. وسيم نايف الأحمد / مواليد 1981، جمجيم - أبو الأسود.

 

39. حسين محمد الأحمد / مواليد 1978، جمجيم - أبو الأسود.

 

???? تنويه:

هذا الإحصاء جهدٌ شخصيّ قمتُ به في صيف عام 1983، ويشمل فقط شهداء مجزرة ملجأ مدرسة صيدا الرسمية – المدخل الجنوبي، ولا يشمل شهداء مدينة صيدا، لذا اقتضى التوضيح.


مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

النجيل الفلسطيني: صمود لا ينكسر في وجه القهر!

  في زوايا الأرض التي تحافظ على أصالتها، تنمو عشبة النجيل بعزيمة لا تلين. قد تُقص أو تُجز، لكنها سرعان ما تعود إلى الحياة، تنبت… تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    معايدة رمضانية 

تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

 رمضان كريم 
نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى.

كل عام وأنتم بخير 
    معايدة رمضانية  تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.  رمضان كريم  نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى. كل عام وأنتم بخير