إنزو مايوركا أنقذ دلفيناً... فمن يُنقذ غزّة؟

منذ 4 أشهر   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني

حين أنقذ إنزو مايوركا دلفيناً... بكى البحر على غزّة.

 

في عام 2009، روى الغطّاس الإيطالي الشهير إنزو مايوركا قصة هزّت وجدان كل من سمعها. كان يغطس مع ابنته روسانا قبالة سواحل سيراكوزا، حين لمس دولفين ظهره. لم تكن لمسة للّعب أو اللهو، بل نداء استغاثة صامت.

 

قاده الدولفين إلى الأعماق، حيث كان دولفين آخر عالقاً في شبكة صيد مهجورة، يتخبّط بين الحياة والموت.

 

بسكين صغيرة وإرادة كبيرة، تمكّن إنزو من تحريره. وعند الصعود إلى السطح، وضعت أنثى الدولفين صغيرها في لحظة مؤثّرة. أما الدولفين الآخر، فدار حول منقذهم، ثم اقترب ولمس وجنة إنزو بلطف، كأنما يهمس له بشكرٍ صامتٍ لا يُنسى، قبل أن يختفي مع أسرته في عمق البحر.

 

في الحياة، هناك شعوب بأكملها عالقة في "شبكة" أشدّ فتكاً من شباك الصيد.

في غزّة، لا دولفين ينتظر مولوده، بل أمّ تحتضن أطفالها تحت الأنقاض.

لا صوت شكر يصعد من الأعماق، بل صرخات تتردّد في الأزقّة المدمّرة، لا يسمعها أحد.

 

لو كان للبحر قلب، لبكى.

ولو كان للشبكات لسان، لاعترفت بأنها ليست سوى جزء من صمتٍ عالميٍّ مخزٍ.

أنقذ إنزو روحاً واحدة، وفي غزّة تُزهَق الأرواح بالجملة، والعالم يتفرّج.

 

الدولفين عرف كيف يطلب النجدة، أما طفل غزّة، فكل ما يملكه نظرة تشقّ القلب.

الدولفين لمس وجنة منقذه بشكر، أما طفل غزّة، فلا يجد وجنة يلمسها... فالموت كان أسرع.

 

قال إنزو يوماً:

"ما لم يتعلّم الإنسان احترام الطبيعة والتواصل مع الكائنات، فلن يفهم يوماً دوره الحقيقي على هذه الأرض."

 

وأنا أقول: "ما لم يتعلّم الإنسان احترام الإنسان، فلن يستحقّ أن يُدعى إنساناً".

 

غادر الدلفين إلى عرض البحر.

أما غزّة... فمتى تغادر الألم؟

متى تلمس الحرية وجنةَ طفلٍ فلسطيني؟

متى يأتي "إنزو" لهذا الشعب العالق، ليقطع شِباك الحصار وينتشله من القاع؟

 

حتى إشعارٍ آخر، تبقى غزّة تنظر نحو السطح، تختنق... ثم تتنفّس بالحلم.

 

وهكذا يمضي الفلسطيني، لا يحمل على ظهره حقيبة سفر، بل يحمل وطناً ممزّقاً بالخرائط، مثقوباً بالذكريات.

يمضي من محطة إلى أخرى، كأنّ عمره قطار لا يعرف نهاية،

من لجوء إلى لجوء،

من مخيّم إلى مخيّم،

من خيمة إلى خيمة،

ومن نكبة إلى نكسة، إلى مجزرةٍ جديدة.

 

كلما حاول أن يلتقط أنفاسه، باغته الغبار، وكلما رسم حلماً، محته قذيفة.

حتى الدموع – التي يُقال إنها تريح القلب – لم تعد تكفي.

 

وغزّة... تلك البقعة الصغيرة، تحوّلت إلى مرآة لكل وجعٍ عربي.

كل حجر فيها شهيد،

وكل شجرة أمٌّ تبكي،

وكل طفل يسأل:

"هل سنعيش غداً؟ أم نكمل الرحيل؟"

 

شلال الدم لم يجف،

والعالم يراقب بصمتٍ مخزٍ.

لكن، رغم الألم، ما زال الفلسطيني، في أقسى محطات القهر، يرفع رأسه،

لأن من تعلّم أن يولد في الخيمة، ويحيا على الرماد،

ويغنّي وسط الركام...

لا تموت قضيّته.

 

تنويه: هذا النصّ تخييليّ تعبيريّ، لا يروي حادثةً بعينها، بل يستلهم من وجع الواقع رموزه، ومن جراح فلسطين حروفه، ليبوح بحزنٍ لا يسع الكلمات، عن شعبٍ تُحاصره القذائف... ويخذله العالم.

 

[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.


مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

من نيبال إِلى غزّة: حين يُغلِقُ الحاكمُ أُذُنيهِ عن صرخاتِ شعبهِ!

القمع لا يقتل الأفكار، بل يورثها مزيداً من الاشتعال. وكل كلمة مكتومة تتحول جمراً تحت الرماد، تنتظر ريحاً صغيرة لتتحول ناراً تعصف ب… تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    معايدة رمضانية 

تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

 رمضان كريم 
نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى.

كل عام وأنتم بخير 
    معايدة رمضانية  تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.  رمضان كريم  نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى. كل عام وأنتم بخير