لاهاي تتنحى وكريم خان يأخذ إجازة... وغزّة تغرق في أنقاض الصمت!

منذ 4 أشهر   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني

في هذا الزمن القاسي، حتى العدالة تُصاب بالإرهاق. كريم خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، قرر أن "يأخذ قسطاً من الراحة" في لحظةٍ لا تعرف فيها غزّة حتى معنى كلمة "راحة".

 

فلنتحدث بجدية لحظة: التحقيق الداخلي في المحكمة، الضغوط الأمريكية، العقوبات التي سبق أن فرضها ترامب، والتلويح بتشريعات من الكونغرس لمعاقبة أي قاضٍ يقترب من "الحليف"، كلها ترسم صورة واضحة: المحكمة ليست مستقلة، بل محاصرة... تشبه سجيناً يُحاكم مجرماً حراً.

 

لم يكن تنحّي خان صدفةً زمنية. الرجل الذي أصدر مذكرة توقيف بحق نتنياهو ويوآف غالانت بتُهم جرائم حرب، يتراجع – ولو مؤقتاً – بعد أشهر فقط من تحركه التاريخي. وكأن الرسالة قد وصلته: "توقّف هنا، لقد اقتربت من المنطقة المحرّمة".

منذ متى أصبحت المحاكم تخاف من المتّهمين؟ منذ أصبح المتّهم يحكم دولةً نووية، ويملك مظلّة أمريكية.

 

غزّة، تلك الرقعة الصغيرة من العالم، باتت غرفة اختبار أخلاقيّة لهذا الكوكب. وكل مرة يرسب فيها هذا العالم.

فيها تُسفك الدماء بغطاء شرعي، يُمنع الطعام، والماء، والدواء، ويُقال: "إنها حرب على الإرهاب".

فيها سقط أكثر من 60 ألف شهيد، ويُطلب من الضحية أن تُثبت "نواياها السلمية".

بينما نتنياهو يتنقّل بين منصّات الإعلام واللوبيات في واشنطن، يطالب المحكمة بالتحقيق في "جرائم حماس"!

هل شاهدتم نكتةً أبشع من هذه؟

 

أسوأ ما في المأساة ليس سقوط العدالة، بل أن تضحك وهي تسقط.

المحكمة الجنائية الدولية، التي وُلدت بعد حروب أوروبا لتكون ضميراً للعالم، صارت جهازاً بيروقراطياً لا يختلف كثيراً عن أي وزارة في دولة نامية: يخضع للتمويل، ويخاف من العقوبات، ويُراعي "مشاعر الدول المؤثرة".

 

حتى حين تُصدر مذكرات توقيف، تتردّد:

– ترفض التحقيق في جرائم الاحتلال عام 2008.

– تتباطأ في ملف الاستيطان.

– وتحتاج سنوات لتقول: "هناك احتمال لوقوع جرائم حرب".

 

ما هذا التهذيب الدموي؟ هل تنتظر المحكمة موافقةً من نتنياهو لاعتقاله؟

 

طفل غزّة لا يحتاج إلى لجنة تحقيق ليثبت أنه فقد عائلته،

ولا يحتاج إلى قاضٍ يشرح له معنى "القصف العشوائي".

"طفل غزّة لا يعرف من هو كريم خان... لكنه يعرف جيداً ما تعنيه كلمة "صاروخ".

هو فقط يتمنى أن يسمع صوت العدالة، ولو مرة، يصرخ باسمه.

لكن المحكمة مشغولة بملفات "أقل توتراً"... كأوغندا، والكونغو، وكل تلك الأماكن التي لا تملك "فيتو أمريكياً".

 

نحن لا نعيش زمن العدالة، بل زمن التمثيل القضائي.

المحكمة صارت مسرحاً، والقضاة ممثلين، والمتّهمون يكتبون النصوص.

"أما الجمهور، فنحن: شعوب تُصفّق وهماً كلما صدر قرار، ثم نبكي في الظلام بعد أن تُطفأ الأنوار، ويُقصف الأطفال مجدداً."

 

لكن تذكّروا: الضحية حين تسقط، لا تسقط وحدها، بل تسقط معها شرعية هذا العالم.

 

[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.


مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

عشيرة عرب السّمنيّة.. حين صنع نايف الحسن صوت البطولة!

في صفحات التاريخ التي تروي قصص العزّة والصمود، تبرز عشيرة عرب السّمنيّة في قضاء عكا رمزاً للكرامة والفخر. جدّهم خطّاب، الذي وُوري … تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    معايدة رمضانية 

تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

 رمضان كريم 
نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى.

كل عام وأنتم بخير 
    معايدة رمضانية  تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.  رمضان كريم  نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى. كل عام وأنتم بخير