"حنين وغربة" للصديق باسيل مرة
ياسر علي
إعلامي وشاعر فلسطينيتعودُ صداقتُنا إلى العام 1977، حين كنا أطفالاً في مدرسةٍ واحدة، وفي صفٍ واحد، وحدثَ أن جلسنا على مقعد دراسي واحد أكثر من سنة. فهو من جيلِنا الذي أعرفُهُ جيداً بكل ظروفِهِ ومعاركِهِ وهجراتِهِ ونجاحاتِهِ وإخفاقاتِهِ المتكررة.
أعترفُ أنني كنتُ أغبطُهُ على سرعةِ القراءةِ المُتمكّنة، ونحن لا نزالُ في مطالعِ سنواتِ الدراسة (الثاني ابتدائي).. كان يشتري القِصصَ المصورةَ بمصروفِهِ، كنتُ أستعيرُ منه بعضَها.. ثم انتقلَ إلى القصصِ العالميةِ.. وكانتْ قراءاتُهُ تتصاعدُ، وما إن وصلنا إلى الصفّ الرابعِ، حتى ظهرَ عليه الإبداعُ في مواضيعِ الإنشاءِ، إبداعٌ امتدّ معه إلى الصفوفِ التكميليةِ، حتى افترقنا في ختامِ الصف العاشر عام 1985 إبان حربِ المخيمات.
تُعبّرُ نصوصُ باسيل مرّة عن مرحلةِ التحوُّلِ لجيلٍ كاملٍ كادَ أن يضيعَ في أتون الحرب.. وعندما درسَ كانَ كَمَن يمشي في الهواءِ هائماً تتقاذفُهُ الرياحُ السياسيةُ والميدانيةُ في لبنان.
كانتْ مرحلةَ تحوّلٍ صعبةً بينَ خيارينِ لا ثالثَ لهُما:
إما البقاءُ تحت الحصار وجحيم الحرب العبثية ومحاولةُ تغييرِ الواقع اليائس وإما السفرُ للبحثِ عن مستقبلٍ تائهٍ بينَ السفاراتِ و وأشرعة الغربة.
وفي لحظةٍ فارقةٍ، اندلعَتْ الانتفاضةُ الأولى في 8 كانون الأول (ديسمبر) 1987.. وتجلّى خيارٌ ثالثٌ بقوةٍ ووضوحٍ.. خيارُ المقاومةِ التي ابتعثته الانتفاضةُ في الداخل خيارا مدوّيا بما حمل من زخم وانتماء وهوية..
تفاعلَتْ شرائحُ الشبابِ حينها مع الحراكِ الفلسطينيِّ في الداخلِ، رفضوا حالةَ العجزِ، حاولوا الإسنادَ، انخرطوا في الاعتصاماتِ في الجامعاتِ والجوامعِ والتظاهراتُ
في الشوارعِ. وعادت شريحةٌ مبعثرةٌ من الهجرةِ، لم يجدوا أنفسَهُم فيها.
وقد تشكّلَتْ في هذهِ المرحلةِ مفرداتٌ ومصطلحاتٌ، تناولها الكاتبُ في هذه القصصِ، وأحسبُ أن أحداً لم يتناولْ هذه المفرداتِ والمصطلحاتِ بهذه الكثافة. لذلكَ فمعظمُ نصوصِه تمثلُ تلكَ المرحلةِ وتتضمنُ مفرداتِها، مثل:الهجرةُ والتهريبُ، المتظاهرونَ، الحجارةُ والمولوتوف، عمليةٌ استشهاديةٌ، أزقةُ المخيمِ، بيوتُ الصفيح، حبٌّ في المخيمِ، حبٌّ في الغربةِ، حبٌّ في الانتفاضةِ.. مفرداتٌ أنسَنَتْ تلكَ المرحلةَ وجعلَتْ المخيمَ والغربةَ والانتفاضةَ تحيا بالحبّ.
ولم يغِبْ عن مفرداتِهِ الفسادُ وأمراءُ الحربِ وضباطُ الفسادِ وتجارُ الثورةِ وضحاياها..
قصصٌ يمكنُ اختصارُها بعبارتَينِ جمعَ فيهما المتناقضاتِ:
ما أصعبَ الوحدةَ في الزحام. وما أجمل رائحة الوطن في الغربة.

أضف تعليق
قواعد المشاركة