مخيّم شاتيلا يسقي غزّة: رسالةُ حُبٍّ من تحتِ الرُّكامِ

منذ 4 أشهر   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني

في مخيم شاتيلا، حيث لا تزال الذاكرة تنزف من جراح النكبات والنكسة، يتذكّر الناس كل صباح أن الألم الفلسطيني لا يعترف بالحدود، وأن الوجع واحد... من شاتيلا إلى رفح، من صبرا إلى خان يونس. هناك، في الزوايا الضيّقة للمخيم، تتنفس القلوب على إيقاع الحصار، لكن الروح تبقى قوية، وفية، وممتدة نحو الأحبة في غزة.

 

ليست المياه مجرد حاجة بيولوجية... بل في غزّة اليوم، أصبحت الحياة نفسها.

ومن غير أبناء الشتات يعرف معنى العطش؟ ومن غير أهل مخيم شاتيلا يدرك معنى أن يُولد الإنسان محروماً من أبسط الحقوق، ثم يهبّ ما عنده لأجل غيره؟

 

حملة "سقيا الماء" لم تكن مجرد مساعدة، بل كانت نداء وفاء. من مخيم شاتيلا، الذي اعتاد أن يعيش على الكفاف، خرجت القلوب قبل الأيادي، لتصل إلى أطفالنا في رفح، أولئك الذين يلهثون خلف جرعة ماء نظيفة وسط ركام المنازل وصمت العالم.

 

بفضل الله وكرمه، ومن خلال دعمٍ من أكاديمية بيليه في مخيم شاتيلا، وعملٍ صادق من "نادي الترابين" في رفح، وحملة "آل جرار الكريمة"، تمكّنا من إيصال الماء.

 

نعم، الماء فقط... لكن كم من الحياة تحمله قطرة؟ وكم من الكرامة يرويها كوب صغير في خيمة مهدّمة؟

 

أكاديمية بيليه، التي قد يظنها البعض مجرد مساحة لتدريب الصغار على كرة القدم، أبت إلّا أن تكون جزءاً من هذا النبض الفلسطيني المشترك، حيث لا ينفصل الرياضي عن المناضل، ولا ينعزل الطفل عن قضيته.

فكان للكابتن طارق معروف، والكابتن مجدي مجذوب، ولكل من تبرّع من قلبه قبل جيبه، دورٌ في هذه القصة التي كُتبت بالدمع والدعاء.

 

نعم، نحن لا نملك الكثير... لكننا نملك الوفاء.

 

ونسأل الله العلي القدير أن يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجعله صدقةً عن أرواح موتانا، وبلسماً لجراح أحيائنا، ورسالة أملٍ من مخيم شاتيلا الصامد إلى غزة الجريحة:

 

أنتم لستم وحدكم... نحن معكم، وإن شحّ الماء وضاق الزمان.

 

وفي مخيم شاتيلا، حيث تعبث الرياح بجدران متآكلة، وحيث ما زال اللاجئ ينام على حلم العودة، لم ينسَ الناس أن لهم أهلاً في غزة... يشبهونهم في الوجع، ويشاطرونهم في الصبر.

 

من بين الأزقة الضيقة والمنازل المتعبة، خرجت تبرّعات خجولة، لكنها دافئة، كأنها قُطعت من قلوبهم، لا من أموالهم.

 

لأن الوفاء في مخيم شاتيلا ليس شعاراً... بل إرثٌ يُورَّث من جيل إلى جيل.

 

لأهلنا في غزة نقول:

إن لم نستطع أن نرفع عنكم الحصار، نخفف عنكم جزءاً من العطش.

وإن لم نستطع أن نُطفئ نيران الحرب، نسكب عليكم دعاءً صادقاً مع كل قطرة ماء.

 

من الكابتن مجدي مجذوب في مخيم شاتيلا، نهدي إليكم ما تبقّى من نبضنا... لا نملك سوى الوفاء، فنقدّمه خالصاً، كما لو كان آخر ما نملك.

 

[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.

 

 

مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

غزة.. حين انقلب التاريخ من مهبط الرسالات إلى مهبط الطائرات!

في الأزمنة البعيدة، كان الشرق الاوسط  قلب العالم، ونافذة السماء إلى البشر، ومسرح الوحي الذي غيَّر وجه التاريخ. على هذه الأرض مشت… تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    معايدة رمضانية 

تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

 رمضان كريم 
نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى.

كل عام وأنتم بخير 
    معايدة رمضانية  تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.  رمضان كريم  نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى. كل عام وأنتم بخير