غزّة وحدها في مُواجهة العالم

منذ شهر   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني

من عمق الألم، ومن قلب الظلمة التي أحاطت بكل بيت وزاوية، تخرج غزّة اليوم لا لتناشد، بل لتُعرّي العالم بصمتها الموجع.

 

لم تعد المشاهد في غزة تقتصر على ركام البيوت أو صرخات الأطفال تحت الأنقاض، بل أصبح الجوع والخذلان توأمين لا يفارقان ملامح الناس. هناك، حيث تتآكل الأجساد من شدة الجوع، وتتشقّق الأرواح من قسوة الصمت.

 

يقول أهالي غزة اليوم بمرارة: "نحن لا نموت فقط من القصف، بل من الجوع، والخوف، والخذلان. أطفالنا ينامون على بطون خاوية، وأمهاتنا تتحجّر دموعهن، وبيوتنا تمتلئ بما لا تراه الشاشات: القهر."

 

العرب الذين طالما تغنّوا بفلسطين غابوا عن الساحة في اللحظة التي كانت فيها غزة بأمسّ الحاجة إلى نبض قلوبهم.

لا بيانات غاضبة، ولا مواقف صارخة، فقط صمت يغلّف الخيانة.

والمسلمون في أصقاع الأرض غارقون في صلواتهم، لكنهم نسوا أن الدعاء بلا فعل... مجرد عزاء بارد.

 

أما المجتمع الدولي، فيرقب الموت الجماعي بأعين باردة، ويقدّم "القلق العميق" بديلاً عن المواقف، ويدعو إلى "التهدئة" بدلاً من العدالة.

غزة لا تحتاج إلى شفقة العالم، بل إلى ضمير لم يتآكل بعد.

 

صرخة أهل غزة اليوم ليست طلباً للنجدة، بل شهادة على سقوط ما تبقّى من إنسانية هذا العالم.

 

وفي ختام وجعهم، يقولونها بصوت مبحوح: "فقدنا كل شيء... الأمان، والماء، والخبز، وحتى الأمل،

لكن أقسى ما فقدناه هو ثقتنا في من حسبناهم إخوتنا.

لم نعد ننتظر شيئاً من أحد.

اعتدنا أن نواجه الموت وحدنا... وأن نبكي بصمت وحدنا.

سقطت الأقنعة، وتكشّفت الوجوه، ولم يبقَ لنا إلا الله.

ويا ليتنا كنّا وهماً، حتى لا يُخذل الوهم كما خُذلنا نحن."

 

في غزة، لم يبقَ متّسع للرجاء، ولا صوت يصل خلف جدران الصمت العربي والدولي.

كل شيء هنا ينطق بالغياب، وكل لحظة تمرّ تسرق منا ما تبقّى من نبض.

خذلنا القريب قبل البعيد، وسقطت الأقنعة تباعاً، حتى لم نعد نميّز بين العدو والصامت.

 

صرخنا كثيراً، لكن الأصوات تُكتم حين تصدر من أفواه الجياع.

كتبنا بالدم، لكن الحروف لا تُقرأ حين تكون بلونٍ أحمر.

 

وأمام هذا العالم البارد، نقف اليوم على حافة النهاية، لا نحمل شيئاً سوى خيبتنا، ونداءً أخيراً لا نوجّهه لأحد.

 

غزّة، التي كانت دائماً عنوان الصمود، تُرسم اليوم على وجهها ملامح الانكسار.

وغزّة، التي قاومت الموت مراراً، تبدو الآن وحيدة حتى عن الغياب.

فلا تنتظروا صمودنا إلى الأبد... حتى الحديد، حين يُطرق دون رحمة، ينكسر.

 

[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.

 

 

 

 

مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

حين تُناديه الأُمُّ... ولا يُجيبُ!

صوتُ الشهيد نزار بنات ما زال حيّاً في قلب أُمِّه مريم. حين رحل الشهيد نزار بنات، لم تغِب معه فقط الكلمةُ الحرّة، بل بقيت أمُّهُ… تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    معايدة رمضانية 

تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

 رمضان كريم 
نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى.

كل عام وأنتم بخير 
    معايدة رمضانية  تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.  رمضان كريم  نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى. كل عام وأنتم بخير