غزَّة وحدها... والأُمَّةُ في صمتِ الغِيابِ

منذ 5 أشهر   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني

انتهى تكبُّرُ فرعون في لحظاتٍ، وهو يغرق في البحر، وانهارت قصةُ النمرود ببعوضةٍ دخلت أنفه، وسقطت عظمةُ جالوت بحجرٍ صغيرٍ من يد راعٍ شابّ، وانخسف قارون في الأرض بكل ماله ونفوذه.

أما جيش أبرهة فهلك بحجارةٍ ألقتها طيور الأبابيل؛ لا مدافع ولا طائرات.

 

تاريخُ الطغيان يعرف نهاياتٍ مفاجئة.

والعدل، حين يقرع الأبواب، لا يستأذن.

فمتى تُكتب نهايةُ الاحتلال؟

ومتى تتحررُ غزّة من جرحها؟

ومتى نستفيق نحن، العرب والمسلمين، من سبات العار؟

 

غزّة لا تطلب معجزة، لأنها هي المعجزة.

غزّة التي تنام على القصف، وتستيقظ على الحداد.

غزّة التي يُقتل أطفالها وهم يحتضنون دفاتر المدرسة،

وتُدمَّر بيوتها على من فيها، ثم يُقال: "نأسف لسقوط ضحايا مدنيين."

 

غزّة التي تنتظر موقفاً لا يأتي، وصوتاً لا يُسمع،

بينما تُغلق العواصمُ أبوابها،

ويُنسى الأذان في مآذنها،

وتُرفع رايات الصمت بدل رايات النصر.

 

في غزّة، أطفالٌ يحترقون أحياءً تحت وابل القصف،

لا ذنب لهم سوى أنهم وُلدوا في أرضٍ تُعاقب على وجودها.

ما يجري ليس مجرد حرب... إنه هولوكوست العصر الحديث،

إبادة جماعية تُنفّذ بدمٍ بارد ضد شعبٍ أعزل،

على مرأى ومسمعٍ من عالمٍ صامت.

 

أين أنتم؟

يا من تتصدرون قضيتنا على منصاتكم،

يا من تبكون القدس في الأغاني، وتبيعونها في الاتفاقات.

أين الغضب؟

أين الحياء من دماءٍ لم تجف،

وأرواحٍ لم تُدفن بعد،

وأنقاضٍ ما زالت تحتها صرخاتٌ لا يسمعها سوى الله؟

 

أمّةٌ تُقصف قُدسها ولا تغضب،

تُذبح غزّتها ولا تنتفض،

أيُّ مستقبلٍ ينتظرها؟

أيُّ ماضٍ تتبرأ منه؟

وأيُّ حاضرٍ ترضى به؟

 

غزّة لا تنتظر أحداً،

لكنّ التاريخ ينتظر.

والتاريخ لا ينسى.

سيسجّل، بلا مجاملة ولا رتوش،

أنّ مدينةً صامدةً سقطت وحدها،

بينما أمتها كانت تنظر إليها من خلف شاشاتٍ باهتة.

 

سيُكتب يوماً أن الأمة انقسمت إلى قسمين:

من صلّى من أجل غزّة، ومن صلّى على غزّة وهو يوقّع صكوك التطبيع.

 

وسيعلم الذين خذلوا، أيّ منقلبٍ ينقلبون.

 

وغداً، حين تخفت أصوات المدافع،

وحين يعود الصمت ليملأ الفراغ فوق الركام،

لن تجد غزّة أحداً تسأله: "أين كنتم؟"

لأن الجواب صار أوضح من أن يُقال:

تركتموها تحترق وحدها،

ترفع يديها إلى سماءٍ مغلقة،

تبكي شهداءها في الليل الطويل،

وتُعدّ أسماءهم على أصابع البكاء.

 

وغداً، حين يُكتب التاريخ بالدمع لا بالحبر،

سيكون هناك سطرٌ يتيم:

"كانت غزّة وحدها، وكانت الأمة غائبة."

 

[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.


مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

النجيل الفلسطيني: صمود لا ينكسر في وجه القهر!

  في زوايا الأرض التي تحافظ على أصالتها، تنمو عشبة النجيل بعزيمة لا تلين. قد تُقص أو تُجز، لكنها سرعان ما تعود إلى الحياة، تنبت… تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    معايدة رمضانية 

تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

 رمضان كريم 
نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى.

كل عام وأنتم بخير 
    معايدة رمضانية  تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.  رمضان كريم  نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى. كل عام وأنتم بخير