خان يونس: زُهورُ الطفولةِ التي احترقت نائمةً

منذ 5 أشهر   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني

هؤلاء الزهور، أحرقتهُم طائراتُ الاحتلالِ وهم غارقون في أحلامِ الطفولةِ، نائمون في خان يونس.

لم يصرخوا، لم يركضوا، لم يحتموا بجدارٍ أو ملجأٍ، فقط ناموا كما ينامُ الأطفالُ حين يثقون بأنّ الليل غطاءٌ، وأنّ الأمهاتِ قادراتٌ على ردِّ كلِّ شرٍّ، لكنّ الليل خان، والغيم خان، وخان يونس أيضاً خانها العالمُ.

 

ناموا كأنهم يختبئون في حضنِ السماء، فأحرَقَتْهُم الطائراتُ قبل أن يستفيق الحُلمُ.

 

كانوا زهوراً صغيرةً، وأحلاماً مُعلَّقةً على وسادةٍ، فامتدّت يدُ الاحتلالِ لتقتلعهم من دفءِ النومِ وتُحيلَ المكان رماداً.

 

أيُّ ليلٍ هذا الذي لا يحمي نائميه؟

وأيُّ أرضٍ هذه التي يُحاكَمُ فيها القتيلُ، ويُبرَّأُ القاتلُ؟

كم من الوقتِ يحتاجُ الضميرُ الإنسانيُّ ليصحو؟

أم أنّ النوم بات خلاصاً من خذلانِ الواقعِ، ونجاةً من سُمِّ الإداناتِ الخجولةِ؟

 

مسلسلٌ يوميٌّ، وعالمٌ كاذبٌ يرى ولا يُحرِّكُ ساكناً. وغداً يومٌ آخر.

 

الطفولةُ في فلسطين لا تُشبهُ طفولة العالمِ.

فهناك، الدُّمى لا تُكملُ يومها، والمدارسُ تُقصَفُ، والضحكةُ مشروطةٌ بالنَّجاةِ.

في خان يونس، لم يُمهَلوا لِيَكبروا، لم يعرفوا طعم العيدِ، ولم يتذوَّقوا حلاوة الأمانِ.

كانوا يكتبون أسماءَهُم على دفاترِ الحصصِ، فإذا بها تُكتَبُ على نعوشٍ بيضاء صغيرةٍ، محمولةٍ على أكتافٍ مكسورةٍ.

 

هنا لا تنتهي الحياةُ بالموتِ، بل تبدأُ الحكايةُ الأشدُّ وجعاً بعده.

الأمُّ التي جمعت بقايا ابنها من تحتِ الركامِ، الطفلُ الذي رأى شقيقه يُنتزعُ من حضنه بلا وداعٍ، والأبُ الذي وقف عاجزاً أمام طفله المحترقِ، كأنَّ الزمن كلَّه انهار في عينيه.

 

في خان يونس، لم تُدفن أجسادُ الأطفالِ فقط، بل دُفنت آخرُ قطراتِ الأملِ، ومعنى الطفولةِ، والأمانِ، وحقُّ الإنسانِ في الحياةِ.

 

ناموا... فاستراحوا من ضجيجِ الطائراتِ، ومن عيونِ أمهاتهم المذعورةِ، ومن عالمٍ لا يُشبههم ولا يستحقُّهم.

ناموا، وربما كان موتُهم أقلَّ قسوةً من هذا العيشِ المُعلَّقِ على أسلاكِ الاحتلالِ.

 

فيا زهور خان يونس، نمتم بسلامٍ لم تمنحكُم الحياةُ إيّاهُ، وتركتم في قلوبنا جُرحاً لا يندملُ، وسؤالاً لا جواب لهُ: كيف يهنأُ العالمُ بنومِه، وأنتم احترقتم نائمين؟

سلامٌ عليكم في قبورِكم الصغيرةِ... وغضبٌ من اللّه ومنَّا على هذا العالمِ الأَعمَى.

 

[محمود كلَّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنينِ السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماءِ والهُويَّةِ الفلسطينيَّةِ. يرى في الكلمةِ امتداداً للصَّوتِ الحُرِّ، وفي المقالِ ساحةً من ساحاتِ النِّضالِ.


مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

النجيل الفلسطيني: صمود لا ينكسر في وجه القهر!

  في زوايا الأرض التي تحافظ على أصالتها، تنمو عشبة النجيل بعزيمة لا تلين. قد تُقص أو تُجز، لكنها سرعان ما تعود إلى الحياة، تنبت… تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    معايدة رمضانية 

تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

 رمضان كريم 
نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى.

كل عام وأنتم بخير 
    معايدة رمضانية  تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.  رمضان كريم  نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى. كل عام وأنتم بخير