لا تَنسَ يا أَحمد... فذاكرتُكَ تفضحُهُم

منذ أسبوعين   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني

ماذا تتذكّر يا أحمد؟

وهل لطفولتك الأسيرة أن تحتمل هذا الكم من الظلم؟ أن تواجه جبروت محتلٍّ ينمو كالسرطان في قلب أرضك وذاكرتك؟

ما الذي يمكن لطفلٍ لم يُكمل عمر الورد أن يفعله، حين تصرخ في وجهه بنادق الاحتلال، وتُفتَّش حقائبه المدرسية عن "خطر" يهدد وجود مستوطنٍ سرق بيتكم، وادّعى أنه خائف منك؟

 

أنت لم تحمل إلا ملامح البراءة.

وُلدت في مستشفى يحيط به الجنود، وفتحت عينيك على حاجزٍ يحاصر حليب أمك، ويفتش في ملابس أبيك عن “تهديد أمني” يُقلق مستوطناً روسياً يستجمّ على أنقاض وطنك.

 

كبرت قليلاً، وتشبّثت بأرجوحةٍ على شجرة زيتون، لكن جرافة الاحتلال سبقت ضحكتك، واقتلعت الأرجوحة مع الشجرة، وبنت مكانها برج مراقبة.

 

لم تتعلم بعد كتابة اسمك كاملاً، لكنك أصبحت رقماً في سجونهم.

طفولتك أصبحت تهمة، وضحكتك صارت "مؤامرة"، ولعبك البريء جُرِّم تحت مسمى "الإرهاب".

 

من يصرخ في وجه من، يا أحمد؟

أأنت المتَّهم، أم هم الذين سرقوا طفولتك، وقتلوا زهر عمرك، ويريدونك أن تعتذر عن دمك الذي لطّخ أيديهم؟

 

أيّ عالمٍ هذا الذي يُحاسب ضحيته، ويُحقّق معها عن ألمها؟

أيّ إنسانيةٍ هذه التي تسأل طفلاً صغيراً عن غضبه، وتنسى أنها سحقت براءته بالجنازير والطائرات؟

كيف لسكين مطبخ في يد طفل، أن يُهدد مفاعلاً نووياً؟

وكيف لك أن تشرح لهم أنك فقط أردت أن تحيا… كأي طفلٍ في هذا العالم؟

 

ضاعت طفولتك خلف القضبان.

ضاعت بلا ذنب، بلا محاكمة، بلا رحمة.

لكن ذاكرتك ستبقى.

تُقاوم، وتفضح، وتصرخ في وجه من يريد لها أن تموت بصمت.

 

لا تَنسَ يا أحمد…

فذاكرتك أقوى من كل زنازينهم.

 

سيكبر أحمد… لكن ليس ككلّ الأطفال.

سيكبر وفي عينيه ألف سؤال، وفي صدره وطن صغير مُعلّق بين الجدران.

سيحمل ذاكرته كما تُحمل الجراح المفتوحة… لا تندمل، ولا تُنسى.

 

لن ينسى صوت البوابة تُغلق خلفه، ولا وجه والدته المُنهك خلف الزجاج، ولا لعبته الصغيرة التي تركها على عتبة البيت يوم اختطفوه.

 

سيكبر أحمد، لكن ضحكته ستبقى مكسورة، مُعلّقة في مكانٍ ما بين الطفولة والاعتقال.

وكلما سُئل عن الحلم، سيصمت قليلاً… ثم يهمس: "أن أكون حرّاً".

 

لا تَنسَ يا أحمد…

ففي النسيان موتٌ ثانٍ،

وفي ذاكرتك، حياة لنا جميعاً.

 

[محمود كلَّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنينِ السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماءِ والهُويَّةِ الفلسطينيَّةِ. يرى في الكلمةِ امتداداً للصَّوتِ الحُرِّ، وفي المقالِ ساحةً من ساحاتِ النِّضالِ.

 

 

مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

غزَّة... حين يُكتَبُ التَّاريخُ بدم الشُّهداءِ

في الركن الجنوبي من خارطة الوجع، هناك مدينة لا تنام؛ ليس لأنها تضجّ بالحياة، بل لأنها مأهولة بالموت المستمر. غزّة، ذلك الاسم ال… تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    معايدة رمضانية 

تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

 رمضان كريم 
نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى.

كل عام وأنتم بخير 
    معايدة رمضانية  تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.  رمضان كريم  نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى. كل عام وأنتم بخير