هذه ليلتُها... وغزَّة تَصحو على خُذلانٍ بلا فجرٍ

منذ شهرين   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني

في هذا الليلِ الذي يدَّعي السكون، تصرخ غزَّة من تحت الرُّكام. لا شيء هنا يُشبه القصائد التي كنَّا نُردِّدها ذات عشق؛ لا كأس يُملأ بالغرام، بل بالدَّم، ولا همس يتبادل بين شفتين، بل أنينٌ يتسلَّل من صدورٍ مُهدَّمة تبحث عن بقايا حياة.

هذا المساء، الذي كان في ذاكرة الشِّعر موطناً للحُب، جاء بلون النار وبرائحة البارود.

 

في غزَّة، الحُلم يُجهَض قبل أن يُولد، والطُّفولة تُدفن قبل أن تمشِي.

هناك، لا مكان للأماني إلّا في طوابير الخبز، ولا ظِلّ للحياة إلّا في ممرَّات المشافي المُهدَّمة.

العصافير هجرت أغصانها، والبيوت التي كانت دياراً، تحوَّلت إلى مسلخٍ يركُض فيها الموت عارياً، لا يخشى شيئاً.

 

العالم يلهو، والحياة تسخر، لكن في غزَّة... لا وقت للهَـو.

 

وحدها تُقاتل، وحدها تصمُد، وحدها تموت وتحيا كلَّ يوم،

بينما اكتفى العربُ والمسلمون بالمشاهدة، وأتقنوا فنَّ الصَّمت، وكأنَّ في صمتهم صلاةً أُخرى، لكنها بلا سُجود، بلا خُشوع، بلا أثر.

هل سمع أحدُهم صرخة غزَّة الأخيرة؟

هل شعر أحدُهم برجفةِ أُمٍّ تحتضِن جثَّة طفلها؟

 

حين تسأل غزَّة: "أين أنتم؟"، لا تسمعُ سوى أنينَ

الصدى يتهاوى في الفراغ .

وحين تُفَتِّش في دفاتر الحُبّ عن أسماء الذين تعاهدوا ألّا يخذِلوها، تجدها مُمَزَّقة، مطموسة، أو مُوقَّعةً بدماءٍ غيرها.

 

ليس في المشهدِ سوى الخُذلان.

لا كلماتِ شجبٍ كافية، ولا مؤتمراتٍ طارئة.

كلُّ شيءٍ يبدو مُرتَّباً كفيلمٍ قديمٍ نعرف نهايته:

غزَّة تُقاوم، العالم يتفرَّج، والعربُ يَعُدُّون خسائرهم في كرامتهم.

 

في قلبِ كلِّ أُمٍّ هناك، وطنٌ يُنتَزَع.

وفي عينِ كلِّ طفلٍ، سؤالٌ لا يجرؤ أحدٌ على الإجابةِ عنه:

"لماذا وحدي؟ لماذا نحن فقط؟"

وكلُّ مساءٍ يُنذر بصباحٍ جديدٍ من الحُزن، لا شُموس فيه، ولا نوافذ تُفتح على الأمل.

 

هذه ليلتُها، لكنَّ الليل في غزَّة بلا فجر.

وهذا صمتُها، لكن فيه كلَّ العِتابِ الذي لم يُقل.

غزَّة اليوم لا تسأل عن الحُب، بل عن البقاء، عن اليد التي لا تزال تملك شيئاً من ضمير.

 

أمّا نحن، فنُواصِل اللهوَ في تفاصيل لا تُهم، ونبرع في التبرير، ونتفنَّن في التغاضي.

وفي النهاية، نُغلق النوافذ لننام، بينما غزَّة تصحو على خُذلانٍ جديد، وتُجهِّز نُعوشها القادمة




مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

حين تُناديه الأُمُّ... ولا يُجيبُ!

صوتُ الشهيد نزار بنات ما زال حيّاً في قلب أُمِّه مريم. حين رحل الشهيد نزار بنات، لم تغِب معه فقط الكلمةُ الحرّة، بل بقيت أمُّهُ… تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    معايدة رمضانية 

تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

 رمضان كريم 
نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى.

كل عام وأنتم بخير 
    معايدة رمضانية  تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.  رمضان كريم  نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى. كل عام وأنتم بخير