قناةُ "كتب فلسطين"... حصنُ الثَّقافةِ والمُقاومةِ الفِكريَّةِ!
محمود كلّم
كاتب فلسطينيفي زمنٍ تُشَنُّ فيه حربٌ شرسةٌ على الوعي، وتتعرض الرواية الفلسطينية لمحاولات الطَّمس والتزييف، تأتي قناةُ "كتب فلسطين" لتكون حصناً معرفيّاً شامخاً، ومنارةً تُضيء طريق الحقيقة لكلِّ من يبحث عن الجذور، والتاريخ، والهويَّة. إنها ليست مجرد قناة على تطبيق "تليغرام"، بل مشروعٌ وطنيٌّ وثقافيٌّ ضخمٌ يُسهِم في بناء وعيٍ جماعيٍّ متينٍ يرتكز على أسسٍ علميَّةٍ وتاريخيَّةٍ راسخة.
منذ تأسيسها في 11 نوفمبر 2021، على يد الكاتب والشاعر الفلسطيني ياسر علي، حملت قناة "كتب فلسطين" رسالةً نبيلةً تهدف إلى نشر الثقافة الفلسطينية وتوفير الكتب والمراجع التاريخية القيِّمة مجاناً، لتكون مُتاحةً لكلِّ من يسعى إلى فهم القضية الفلسطينية بعيداً عن التزييف الإعلامي. وبجهودٍ جبارةٍ وتفانٍ لا يعرف الكلل، تمكَّنت القناة من أن تصبح مكتبةً متنقِّلةً تزخر بأكثر من 5500 كتابٍ ومجلَّة، وتستقطب أكثر من 20 ألف مشتركٍ من مختلف أنحاء العالم.
قناة "كتب فلسطين" ليست مجرد مكتبة إلكترونية، بل هي ساحةٌ للنضال الثقافي وميدانٌ للمقاومة الفكريَّة. وفي ظل محاولات الاحتلال لسرقة التراث الفلسطيني وتزوير تاريخه، تعمل القناة حالياً على استرجاع الكتب الفلسطينية المسروقة والمنشورة في المكتبة الوطنية "الإسرائيلية"، بما في ذلك صحف ما قبل عام 1948، مثل: صحيفة فلسطين، وصحيفة الدفاع، وصحيفة الجامعة الإسلامية، ومجلة الكرمل، ومجلة النفائس، وغيرها من الوثائق النادرة التي تُسلط الضوء على الإرث الفلسطيني الغني.
تكمن أبعادُ التأثير وأهميةُ القناة في:
1. ترسيخ الهوية الوطنية:
من خلال نشر الكتب التي توثِّق التاريخ الفلسطيني، والأدب المقاوم، والروايات التي تعكس النكبة واللجوء، ممَّا يُعزز الشعور بالانتماء والفخر.
2. تعزيز الوعي السياسي والتاريخي:
عبر تقديم مصادر موثوقة تشرح تفاصيل الصراع الفلسطيني-"الإسرائيلي"، وتكشف الحقوق الفلسطينية المُغيَّبة.
3. المقاومة الثقافية ضد الاحتلال:
القراءة فعلُ مقاومة، والمعرفةُ سلاحٌ لا يقلُّ أهميةً عن أي أداةٍ نضاليةٍ أخرى.
4. دعم نفسي وروحي للفلسطينيين:
في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، تُوفِّر الكتب نافذة أملٍ وتغذيةً فكريَّةً تُعزز العزيمة والصمود.
5. إتاحة المعرفة للجميع:
في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وصعوبة الحصول على الكتب الورقية، تُوفِّر القناة بديلاً. مجانيّاً يجعل المعرفة في متناول الجميع. وكذلك عبورها الحدود وتخطيها مقص الرقيب في بلاد القمع.
ما يُميِّز قناة "كتب فلسطين" هو تفاني القائمين عليها في البحث عن أندر الكتب وأهم المراجع، ليجعلوها مُتاحةً للناس من دون مقابل. هؤلاء هم جنود الكلمة، يُواجهون الاحتلال بأسلحة الفكر والمعرفة، ويُؤسِّسون لجيلٍ واعٍ مُتسلِّحٍ بالحقائق، بعيداً عن التزييف والتضليل.
ومن المبادرات الرائعة، مساهمتهم في نشر الإحصاءات والوثائق المُهمَّة أثناء حرب "طوفان الأقصى"، ما يعكس دور القناة في توثيق الأحداث وتحليلها من منظورٍ فلسطينيٍّ خالص.
لم يكن الشعار الخاص بالقناة مجرد رمزٍ عابر، بل جاء بمبادرةٍ كريمةٍ من فنان الكاريكاتير الفلسطيني البارز، الدكتور علاء اللقطة، الذي صمَّمه تعبيراً عن دعمه للمشروع الثقافي العظيم الذي تحمله قناة "كتب فلسطين".
اليوم، ونحن نشهد هذا الإنجاز الثقافي العظيم، لا يسعنا إلا أن نقف احتراماً وتقديراً لكلِّ من ساهم في إنجاح هذا المشروع الرائد.
إن قناة "كتب فلسطين" ليست مجرد مصدرٍ للمعرفة، بل هي تجسيدٌ حيٌّ لصمود الشعب الفلسطيني وكفاحه المستمر للحفاظ على هويَّته.
كلُّ التحية والتقدير لمن يسهرون على إثراء هذه القناة بالكتب والمراجع القيِّمة، ومن يُساهمون في نشرها ودعمها. بكم يستمرُّ النور، وبجهودكم تبقى فلسطين حيَّةً في قلوب الأحرار!
إنها ليست مجرد قناة... إنها ثورةٌ ثقافيةٌ تصنع الوعي وتصون الهويَّة!
أضف تعليق
قواعد المشاركة