فلسطين التي سلبها الزَّمنُ... ذكرياتٌ لا تمُوتُ!

منذ 4 أسابيع   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني

يا ليت الزمانَ يعودُ، والدهرَ يُعيدُ ما كان، فننعمَ بليالٍ خلت، وأيامٍ ولَّت، لكنّها في القلبِ لا تزالُ ساكنةً، وفي الرّوحِ تمرُّ كالنّسيمِ، فتبعثُ الحنينَ في العروقِ، وتسكبُ الدّمعَ في العيون.

 

أين ذاكَ الحيُّ العتيقُ في القدس والخليل ونابلس، حيثُ كانت الأسواقُ تنبضُ بالحياةِ، وأصواتُ الباعةِ تمتزجُ بعبقِ الزعترِ والكعكِ المقدسيّ؟ أين البيوتُ التي كانت مفتوحةً للجيرانِ كما لو أنّها بيتٌ واحدٌ؟ أينَ خبزُ الجدّةِ الساخنُ الممزوجُ بحبّ الأرضِ، ورائحةُ القهوةِ التي كانت تفوحُ في الأزقّةِ القديمةِ، قبل أن يسرقَ الاحتلالُ نبضَ الحياةِ من تفاصيلها؟

 

كنّا نغفو على صوتِ الحكايا عن أجدادٍ لم يتركوا أرضهم، وعن زيتونٍ صامدٍ منذُ مئاتِ السنين لا تهزُّه العواصفُ ولا تقتلعُه الجرافاتُ. كنّا نسمعُ عن البحرِ الذي كان لنا، عن يافا وحيفا وعكّا، عن المدنِ التي ما زالت تنادي أبناءَها في المنافي.

كان الحنينُ وقتها مجهولاً، لأنّنا لم نكن ندري أنّ السنينَ ستسلبُ منّا كلَّ شيء، وتُبقي لنا فقط ذاكرةً مهترئةً، ومفتاحَ بيتٍ قديمٍ، وحنيناً يوجعُ القلب.

 

أين جالين؟ أينَ أرضُ عشيرةِ عرب السّمنيّة، التي كانت تعجّ بالطمأنينة وعبق التاريخ؟ أين جبلُ الجرمق الذي كان يشهدُ على قوةِ الصمودِ وعنفوان الأرض؟ أين مرتفعاتُ الصوانة التي كانت تراقبُ بحر غزة، وتتنفسُ هواءَ الماضي؟ أين مياهُ وادي القرن التي كانت تسقي الأرض وتروي الذاكرة؟ وأين وادي كركرة، حيث كنا نستمعُ إلى غناءَ الطيور، وكانت ترددُ أحلامنا؟

 

اليوم صار كلُّ شيءٍ مختلفاً، حتّى شوارعُنا تغيّرت، والجدرانُ التي كانت تحملُ أسماء أحبتنا صارت شاهدةً على الرّحيلِ والتهجير.

كنّا نكتبُ أسماءَنا على الجدرانِ لنُخلّدَ ذكرياتِ الطفولة، واليومَ تُكتبُ أسماءُ الشهداءِ على نفسِ الجدرانِ لتُخلّدَ حكاياتِ البطولةِ والفداء.

تغيّرتِ الضّحكاتُ، فصارت باهتةً، كأنّها تُقالُ عن وَهَنٍ، أو تُرسمُ على الشّفاهِ كذباً لتخفي الحزن العميق.

 

ساقَ الله على أيّامٍ كان فيها القمرُ صاحباً، والنّجومُ روّاد الليلِ، والمساءُ قصيدةً نثريّةً تُكتَبُ بحبرِ العُمر.

 

ليتَ الزّمانَ يعودُ، أو أنّ القلبَ يكفُّ عن الحنينِ، لكنّه كطائرٍ مُهاجر في سماءِ الذّكرى، يُرفرفُ بجناحينِ من شوقٍ، يُحلّقُ في فضاءِ الماضي، ولا يجدُ له مأوىً في الحاضر.

مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

إبراهيم أبو خليل: عاشقُ الوطنِ الذي رَوَى الأرضَ بِدَمِهِ

في مخيم كفربدّا، وُلدَ إبراهيم خالد أبو خليل عام 1967. كان طفلاً مشاكساً، يركضُ بين البيوتِ الطينيّةِ، يطاردُ أحلامه كما يطاردُ ال… تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    معايدة رمضانية 

تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

 رمضان كريم 
نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى.

كل عام وأنتم بخير 
    معايدة رمضانية  تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.  رمضان كريم  نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى. كل عام وأنتم بخير