داء العظمة.. نظرة على تصرفات ترامب وتصريحاته التي تدعو للغثيان
فايز أبو عيد
إعلامي فلسطينيخلال السنوات التي قضاها دونالد ترامب في الساحة السياسية، سواء كرئيس للولايات المتحدة أو كمرشح للانتخابات، أظهر الكثير من الصفات التي تعكس شخصية تتميز بما يمكن وصفه بـ "داء العظمة"، هذا الداء لا يعني بالضرورة حالة طبية، ولكنه يُستخدم بشكل مجازي لوصف تصرفات وسلوكيات تُظهر شعوراً مبالغاً فيه بالأهمية الذاتية والتفوق على الآخرين.
منذ بداية حملته الانتخابية، لم يتردد ترامب في تقديم نفسه على أنه الشخص الوحيد القادر على "إعادة العظمة لأمريكا"، مؤكدًا أنه الأفضل في كل شيء من إدارة الاقتصاد إلى السياسة الخارجية، لم يكن هذا الشعور بالتفوق مرتبطًا فقط بالأقوال، بل تجلى بوضوح في تصرفاته وقراراته، التي غالباً ما كانت تتسم بالتحدي والإصرار على الرؤية الشخصية دون اعتبار كبير للمعارضة أو النقد.
داء العظمة تجلى بشكل جلي وواضح وفاضح في خطابه أثناء أدائه اليمين الدستورية رئيسا للولايات المتحدة، يوم 20/01/2025 في المراسم التي جرت داخل قبة مقر الكونغرس (الكابيتول)، حيث نصب نفسه الحاكم الفعلي للعالم وأصدر عشرات التعهدات التي أثرت تساؤلات وانتقادات حادة حول أن تتخذ دولة ما قرارات لا تراعي فيها القانون الدولي وتنتهك سيادة دول وتسيطر على بعضها، ويبيع ويشتري أراض دول أخرى ليست ملكة، وكأنه يعود إلى حقبة الاستعمار ولغة القوة، وما يدلل على ذلك وعوده باستعادة قناة بنما، وتغيير اسم خليج المكسيك ليصبح خليج أميركا، والتهديد باحتلال كندا.
أما ذروة الغرور وعدم الاكتراث بالشعوب ومصيرها ما كشفه ترامب الثلاثاء الماضي خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالبيت الأبيض- عزمه الاستيلاء على غزة وخروج الفلسطينيين منها، وهو يروج لمخطط تهجير سكان القطاع إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن، وغيرها من الدول.
كما قال ترامب في تصريحات خلال حديثه للصحفيين، على متن الطائرة الرئاسية، إنه ملتزم بشراء قطاع غزة وامتلاكه.
وتابع: "أنا ملتزم بشراء غزة وامتلاكها" مدعيا أنه لم يبق شيء للعودة إليه في غزة، وأنها غير آمنة مطلقا، في إشارة إلى الدمار الذي لحق بها جراء الغارات الإسرائيلية.
هذا التصريح اعتبر من قبل العديد من البلدان العربية والغربية على أنه خطة مأساوية للتطهير العرقي، وغير قانونية بموجب القانون الدولي، كما أثار ردود فعل غاضبة وجعل الرئيس الأميركي مثار سخرية من قبل رواد وسائل التواصل الاجتماعي الذين وجهوا العديد من الأسئلة التي تحمل أسلوب التهكم قالوا فيها، "ممن يريد أن يشتري غزة؟ وكم الثمن الذي سوف يدفعه؟ وهل هو فعلا قادر على امتلاكها؟"، مضيفين أن ترامب يظن أن ماله سيشتري له الأوطان، ولكن ما لم يأخذوه بالسلاح لن يأخذوه بالسياسة ولا الأموال.
لم تكن تصرفات ترامب خلال فترة رئاسته السابقة بأفضل حال وكان الانا لديه بأعلى مستوياته، حيث اتخذ في تلك الفترة العديد من القرارات التي عكست شعورًا بالتفرد والقوة، من بناء الجدار الحدودي مع المكسيك إلى الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، كانت جميع هذه القرارات تتسم بالتحدي والاعتقاد بأن ترامب وحده يعرف مصلحة البلاد بشكل أفضل من غيره، وعندما كان يتلقى الانتقادات، كان يرد عليها بالهجوم الشخصي والاستخفاف بآراء الآخرين، مما يعزز الشعور بأنه لا يقبل الشك في قراراته أو أفعاله.
علاوة على ذلك، كانت وسائل الإعلام الاجتماعية، وخاصة تويتر، بمثابة منصة لترامب يعبر فيها عن آرائه وتوجهاته دون قيود، استخدامه لهذه المنصة بشكل مفرط وعشوائي أظهر جوانب من داء العظمة، حيث كان يتحدث عن نفسه بصفته القائد الأعظم والأكثر قدرة على تحقيق النجاح، مما أثار استغراب وانتقادات واسعة.
حتى بعد انتهاء فترة رئاسته السابقة، استمر ترامب في الاحتفاظ بشعور العظمة، معتبراً أنه تعرض للظلم وأنه كان الرئيس الأفضل في تاريخ الولايات المتحدة، هذا الشعور لم يكن محصوراً في الأفعال والكلمات، بل استمر في تحدي الأنظمة والمؤسسات التي قد تعارضه، سواء من خلال التصريحات أو المحاولات المستمرة للعودة إلى الساحة السياسية.
باختصار، يُظهر تحليل تصرفات ترامب أن داء العظمة ليس مجرد اتهام عابر، بل هو سمة بارزة في شخصيته وطريقة تعامله مع الآخرين ومع العالم، يمكن أن يكون لهذا الشعور بالتفوق تأثير إيجابي في بعض الأحيان، إلا أن الإفراط فيه قد يؤدي إلى تجاهل الحقائق وتحدي الأوضاع القائمة بطرق قد لا تكون دائماً في مصلحة الجميع.
أضف تعليق
قواعد المشاركة