عشيرة عرب السّمنيّة بين الاقتلاع والتشبث بالأرض.
محمود كلّم
كاتب فلسطينيمنذ آلاف السنين أقام البدو في الجليل -فلسطين، حيث المناخ الرطب والخصوبة ووفرة المياه وكثرة الغابات التي شكلت مراعي جيدة لمواشيهم. وفي تاريخ فلسطين قلما كتب عن البدو أو جرت إحصائية لهذه العشيرة، حيث إن المؤرخين ورجال الإحصاء، بسبب وعورة منطقة الجليل، لم يستطيعوا الوصول إلى أماكن سكناهم. أضف إلى ذلك عدم موافقتهم على إجراء إحصائيات لأسباب اجتماعية.
فضلاً عن أن جميع الإحصائيات التي أجريت عنهم ليست دقيقة، ولا يمكن الإعتماد عليها، فالبدوي بسبب طبيعة حياته التي لا تعتمد على الاستقرار، كان يشكّك في كل التسجيلات، وبحسب اعتقاده أنها تربطه بشكل أو بآخر بالنظام، وهذا يعني ارتباطه بالحكومة وفرض نظامها الصارم عليه، وهذا ما لا يطيقه، لذا فقد عاشت هذه العشيرة دون نظام أو قانون، والسبب في ذلك طبيعة البدوي وتعشقه الحرية، حيث يجدها في تنقله المستمر سعياً وراء الماء والكلأ.
يطلق لفظ العرب عادة على العشائر البدوية العربية المتنقلة منها، وتلك التي استقرت على أطراف بعض القرى الفلسطينية المتناثرة، في بيوت حجرية اجتهدت من أجل بنائها، وتملكت الاراضي، وأخذ المكان اسمه منها.
على تلّة صخرية تتميز بانحدارها الشديد وأرض مساحتها 1872 دونماً، وعلى بعد نحو عشرين كيلومتراً شمال شرق قضاء عكا تقع أراضي عشيرة عرب السّمنيّة وهي من أكبر عشائر قضاء عكا. تنحصر حدودها بين بلدة البصّة من الغرب، وبلدة إقرث من الشرق، ومن الجنوب يحدّها وادي القرن، كما امتدّ وادي كَرْكَرَه ليكون حدوداً لها من الشمال. يقطع شارعٌ من الاسفلت أراضي عرب السّمنيّة يربط بين البصّة وصفد، ويمتد حتى رأس الناقورة على الحدود اللبنانية وصولاً الى مدينة عكا. كما يقطع أرضَ عرب السّمنيّة طريقٌ آخر يربط عكا بمدينة صفد. بيوتها مبنية من الحجارة، يربطها بالطريق العام الساحلي طريق ترابي يصلها بعكا.
يعتمد السمنيون في حياتهم على تربية الحيوانات إضافة الى زراعة الحبوب وأشجار الفاكهة كالتين والزيتون والتفاح والعنب. كما زاد اهتمامهم بالزراعة حين امتهنوا زراعة التبغ وتسويقه الى (شركة الديك وقرمان) للتبغ، وشركة (عبد الرحمن للتبغ) في حيفا كما اضافوا لنشاطهم استخراج الفحم وبيعه، كذلك الحليب ومشتقاته.
تتفرع من عشيرة عرب السّمنيّة أربعة بطون: -
1) السراحنة، وهم أكبر بطون عرب السّمنيّة، وقد أقاموا في جالين (منطقة جالين ورد اسمها في الوثائق الصادرة عن المحكمة الشرعية في حيفا، وعن دائرة الطابو في عكا «جاليل» وهي مساحات تغطيها أحراش السنديان) والصوانة وحواره.
أما عائلات السراحنة فهم: كلّم، فاعور، عقلة، جمعة، المحمود، جدوع، ثلجي.
وفي اراضي خربة الصوانة وخربة سُمح دفن السراحنة موتاهم كذلك في أرض الحوطة إلى الشمال من كيبوتس إيلون قبل إقامته عام 1938م.
2) العطاعطا، في جالين كانت إقامتهم ومناطق سكناهم.
أمّا عائلاتهم فهي: حفيان، الأحمد، قاسم، المحمد، أبو خليل، فاعور وهي عائلة غير عائلة آل فاعور من بطن السراحنة، علوان، يقيم قسم منهم في الأردن بشكل دائم وقسم في شفاعمرو في فلسطين، شحادة، الظريف هم الآن في ترشيحا قضاء عكا.
في الصوانة دفن العطا عطا موتاهم.
3) القريعات، وكانوا يقيمون قرب معليّا وقرب معصوب، أمّا عائلاتهم فهي: الجعبوص، الحسن، الأسمر (رباح المحمود).
4) المناصرة، وكانوا يقيمون في الصوانة، عائلات المناصرة: أبو سودة (يقيمون في سوريا منذ زمن بشكل دائم)، الهوشي، المحمد، العلي، الجسيم (هم من عائلة الهوشي وبعد حصولهم على الجنسية اللبنانية صار اسم العائلة الجسيم في السجلات الرسمية). في الصوانة دفن المناصرة موتاهم.
جدّ عرب السّمنيّة يدعى خطّاب، دُفن في علما الشعب في لبنان، وتذكر بعض الروايات إنه دُفن في منطقة البطيشية على الحدود اللبنانية الجنوبية، اغتيل مختارهم نايف الحسن عام 1948م في مروحين وفيها دفن.
ذكر الدكتور شكري عرّاف في كتابه(( بدو مرج ابن عامر )) صفحة 174 نقلاً عن (( عقل ، المفصل في تاريخ وادي عارة )) ما يلي : (( في مقابلة مع إيلياهو، رجل الأمن في كيبوتس إيلون، وقد أطلعني على دفاتر يومياته وتضم صوراً وتاريخ كل بدوي من عرب السّمنيّة ، قال إن اليهود اجتمعوا بالقبائل البدوية المجاورة : عرب السّمنيّة ، الهيب المرادات ، وعرب العرامشة وغيرهم في موقع الصوانة بهدف حث هؤلاء البدو على حسن الجوار خلال المعارك التي قد تنشب في عام 1947 م وما بعده ، وكان ردّ نايف الحسن مختار عرب السّمنيّة تهديداً لهم مع انتهاء الانتداب البريطاني وانهم سيلقون من البدو مصيراً أسود)) .
كان هذا الرد كافياً لاتخاذ قرار بترحيل عرب السّمنيّة.
يقول احمد الناصر (أبو حسين): في شهر أيار 1948م بدأ اليهود تنفيذ مخططهم لتهجير عشيرة عرب السّمنيّة باطلاق النار عليهم فغادروا الى تربيخا وسكنوا بالقرب من ثكنة الجيش الانكليزي.
ثم نزحوا الى بلدة مروحين على الحدود اللبنانية الفلسطينية، لكن أهل مروحين لم يستقبلوهم فسكنوا بالقوة وبالعناد.
بعدها عادوا ثانيةٍ الى جنوب بلدة إقرث شمال فسوطة، ثم الى الصوانة لحصاد ما تبقى من القمح. وعندما بدأت المعارك بين اليهود وجيش الإنقاذ وبسبب الضغط اليهودي نزحوا ثانية الى بلدة شيحين اواخر تشرين أول 1948م واستقبلهم السيد عبد الله صفي الدين أحد وجهاء بلدة شيحين. اجتمع شمل جميع السمنيين في منطقة شيحين الواقعة على الحدود اللبنانية الفلسطينية، وفي العام 1950م قام الجيش اللبناني بإحصاء العشيرة حيث أجبر أبناءها بعد ذلك على الرحيل عن الحدود الفلسطينية بالقوة الى داخل الأراضي اللبنانية.
ذكر عبد الله كلّم (أبو علي) في مقابلة أجريتها معه بتاريخ 5 حزيران 2003م عن كيفية خروجهم من أرضهم في فلسطين، تحدّث قائلاً: (خرجنا من فلسطين بعد المجازر إلى يارين في لبنان وإلى الإسكندرونة والجيش اللبناني هو الذي أدخلنا الأراضي اللبنانية، ولكنه تركنا في العراء حيث سكنّا الكهوف حول منطقة شمع. اضطررنا بعدها إلى عمل شوادر وتخاشيب من الصفيح في أراضي القرى اللبنانية. كانت معاملة أهل القرى حسنة وبعد الإسكندرونة انتقلنا الى بلدة الحنيّة (آل كلّم)، وقسم ذهب الى بلدة العزيّة (آل كلّم)، وقسم من أبناء العشيرة أكملوا طريقهم إلى بلدة الشبريحا شمال مدينة صور واستقروا فيها (آل كلّم، آل فاعور، آل جمعة)، والقسم الأكبر من أبناء العشيرة تابعوا طريقهم شمالاً وسكنوا شاطيء البحر في منطقة ابو الأسود. توفى والدي محمود في الحنيّة عام 1966م ودفن في مقبرتها، تركت وفاته اثراً في نفسي. كانت امي عليّا جمعة قد سبقته في الوفاة في عام 1947م في فلسطين ودفنت في مقبرة خربة جالين. اما اصدقاء طفولتي في فلسطين، فهم: مصطفى حمود فاعور، محمد حمود فاعور، احمد فهد الموسى وقد ماتوا جميعاً ودفنوا في ارض فلسطين).
في 30 تشرين اول 1948م تم احتلال ارض عرب السّمنيّة أثر عملية ((حيرام)) من ضمن مخطط احتلال الجليل وتهجير سكانها الى منطقة عرب العرامشة في إدمث وعربين، وقسم آخر منهم الى الدول العربية المجاورة (سوريا، لبنان، الأردن) حيث أقاموا على أنقاضها مستوطنة يعرا سنة 1950م، مستوطنة حوارة (غرانوت بالعبريّة) تُدعى صُفافة، أُقيمت أواخر سنة 1980م، مستوطنة التَّعمريَّة، أُقيمت سنة 1953م في منطقة تل الهوى جنوب خربة الصوّانة، كيبوتس إيلون أقيمَ في 24 تشرين الثاني عام 1938م.
وبعد عام 1948م يعيش قسم من عشيرة عرب السّمنيّة
1-في فلسطين: -
يبلغ عددهم حوالي3000 شخص،إحصاء غير رسمي، يتركز وجودهم : -
في بعض أحياء شفاعمرو
- آل علوان، في حي عثمان.
- آل عقلة، في حي سركيس.
- آل شتيوي في قرية عبلين
-آل علي وحش الحسين في المزرعة.
-آل محمد وحش الحسين في الشيخ دنون.
- آل الظريف وآل حمود مصطفى فاعور في ترشيحا
- عائلة فزع (من آل الحفيان) في الصوانَة وعرب العرامشة.
- عائلة احمد فهد الموسى في عرب العرامشة، تقول بعض الروايات بأنهم من عشيرة عرب الخوالد، وعاشوا مع عشيرة عرب السّمنيّة منذ زمن بعيد.
2-في مخيمات اللجوء في لبنان: -
يبلغ عددهم حوالي 1500 شخص، إحصاء غير رسمي، يتركز وجودهم في: -
مخيم الرشيدية (آل حميدي فاعور ) ، مخيم البص (آل كلّم )،مخيم الشبريحا (آل كلّم، آل فاعور، آل فياض، آل علي الصالح، آل خليفة جمعة)، مخيم كفربدا (آل كلْم، آل المحمود، آل فاعور، آل جمعة، آل جدوع، آل حفيان، آل الأحمد، آل القاسم، آل المحمد آل ابو خليل، آل فاعور، آل الجعبوص، آل الحسن، آل رباح المحمود، آل الهوشي، آل الجسيم)، تجمع الواسطة (آل العلي، آل حمادي الجسيم وهم من آل الهوشي، آل سعيّد القاسم)، الغازية (آل كلّم، آل كندي المحمود)، مدينة صيدا (آل كلّم، آل الهوشي)، وادي الزينة (آل فاعور)، مخيم شاتيلا (آل كلّم).
3-في سوريا: -
عددهم حوالي100 شخص، إحصاء غير رسمي، يتركز وجودهم في: -
مخيم جرمانا (آل ابو سودة)، البويضة في ريف دمشق (آل العلي)، مخيم السبينة (آل العلي).
4-في الاردن: -
بلغ عددهم 250 شخصاً حسب إحصائية غير رسمية تعود الى بداية عام 2019م.وجودهم يتركز في: -
مخيم إربد (آل ابو علوان)، مدينة إربد (آل ثلجي).
5-في الدول العربية (الإمارات)، وفي الولايات المتحدة الأميركية، وفي عدد من الدول الاوروبية مثل: -
بريطانيا، السويد، الدنمرك، ألمانيا، فرنسا.
6-في اليمن: -
عشيرة عرب السّمنيّة، حسب رواية عبد الله يحيى علي الياجوري وهو من أحفاد أحفاد ذيب بن علي العلي الياجوري، فإن عددهم يزيد عن 1000 رجل، وهم جميعاً من أحفاد ذيب بن علي العلي الياجوري، ومن أحفاد الأسمر بن علي العلي الياجوري.
حيث تمّ تجنيدهم في فلسطين بالقوة للخدمة بالجيش العثماني، هم واخوهم محمد الذي استشهد على أسوار بلاد ذمار جنوب مدينة صنعاء.
أما الأخوان ذيب والاسمر فقد تزوجا من نساء يمنيات من عرب مذحج.
يتركز وجودهم في مديرية بني العوام شمال اليمن، ويعيش بعضهم في العاصمة صنعاء.
حالياً يعيش قسم كبير منهم في محافظة مأرب بعد أن تركوا مدينة ذمار بسبب الحرب الدائرة هناك.
يطلق عليهم لقب الياجوري نسبة الى بلدة الياجور الفلسطينية التي تقع على سفح جبل الكرمل إلى الجنوب الشرقي من مدينة حيفا، حيثُ كانوا يقيمون، قبل تجنيدهم إجبارياً في صفوف الجيش العثماني خلال احتلال اليمن.
إن الناظر إلى حيث كانت تقيم عشيرة عرب السّمنيّة لا تقع عينه اليوم إلا على بقايا اطلال واكوام اتربة وكدس حجارة. لم يبقَ من مَعْلَم الامس الذاهب سدىً سوى قاعٍ بلقعٍ ومأوىً للبوم والغربان تنعي سكانها صباح مساء.
الشاهد الحي الوحيد الذي يذكّر العابرين بهذا المكان ويعيد الى الذاكرة المأساة بكل فصولها وحيثياتها هو جلالي التين واشجار الزيتون والعنب تحكي للصغار الذين سيكبرون في ظل آلة الحرب تاريخ ومسيرة اولئك الشرفاء الذين تمسكوا بالأرض ورووا عطش ترابها من دمهم.
اليومَ أصبحَتْ أرض عشيرة عرب السّمنيّة مساكن للغرباء ومحميَّةً طبيعيَّةً ومنتجعًا سيّاحيًّا ومتنزهاتٍ واسعةً، يتمتعُ الغرباءُ بمناظرِها الخلَّابةِ، بينما أهلُها ينظرونَ إليها بشوقٍ وحنينٍ من بعيدٍ، ينتظرونَ عودتَهم الحتميَّةَ.
مقتطف من كتاب: عشائر قضاء عكا: اقتلاعهم من أراضيهم بدأ خلال الاحتلال البريطاني، محمود عبد الله كلَّم، دار بيسان للنشر والتوزيع، بيروت، شباط 2016م.
أضف تعليق
قواعد المشاركة