ياسر مرتجى: سقطت الكاميرا وبقيت الصور

منذ 7 سنوات   شارك:

حسام شاكر

باحث ومؤلف

وجّه جديد من فلسطين يختطف الأضواء. لا يحمل الحجر أو البندقية؛ بل كاميرا الصحافة التي يعتبرها الجيش الإسرائيلي خصماً عنيداً، فهي توثق انتهاكاته وتمنح عيون العالم إطلالة على الميدان، وهو ما يجعل جنوده يُسرِفون في استهداف من يحملونها.

إنه ياسر مرتجى الذي يبزغ اليوم بوجهه المشرق بالابتسامة أيقونةً للصحافة الفلسطينية ورمزاً لتضحيات المصورين والمراسلين من الميدان تحت النيران الإسرائيلية.

أطلق قناصة الجيش الإسرائيلي النار على المصوِّر الصحفي ياسر مرتجى خلال مشاركته في تغطية فعاليات الأسبوع الثاني من "مسيرة العودة الكبرى" على أطراف قطاع غزة الشرقية، يوم الجمعة 6 إبريل/ نيسان 2018. كان منهمكاً في التقاط الصور، بينما انهمك قناص عسكري إسرائيلي في اصطياده بإصبعه الرشيقة على الزناد. سقط ياسر أرضاً وتدحرجت الكاميرا التي يحملها بما تختزنه من صور.

أتاح ياسر للعالم أن يرى مَشاهِد ميدانية مؤثرة عبر بؤرة الالتقاط، لكنّ هذا الشاب ذا الثلاثين سنة ظلّ يحلم بأن يتمكّن يوماً من رؤية العالم الواقع خارج السجن المفتوح المسمى قطاع غزة. نشر ياسر تغريدة شهيرة في مواقع التواصل الاجتماعي عبّر فيها عن أمنية جارفة تنتابه مثل عموم الشباب الغزي الذي نشأ تحت الحصار؛ بأن يُبصِر وطنه من نافذة طائرة محلِّقة في الأجواء. إنها تحاكي لحظة "الفردوس الأرضي" بالنسبة لمليوني إنسان في هذه المنطقة المكتظة باللاجئين. نشأ جيل فلسطيني في السجن الكبير فتحددت الأبعاد الجغرافية لديه بما لا يتجاوز 360 كيلومترا مربعا مُحكمة الإغلاق على مَن فيها.

لم يتوقف طموحه في الحصول على مشهد جوي لوطنه عند حدّ، فقد كان من أوائل الذين أدخلوا طائرة تصوير بدون طيار إلى قطاع غزة؛ الذي حوّل القصف الإسرائيلي مطاره الوحيد إلى أطلال بعد سنوات قليلة من تشغيله.

حاول ياسر مرتجى السفر في جولة خارجية عبر معبر رفح قبل شهور قليلة من قنصه برصاص الجيش الإسرائيلي، لكنّ محاولاته المتكررة للخروج من المنطقة المُحاصَرة أخفقت بسبب السياسات المشددة التي يفرضها الجانب المصري في معبر رفح الذي يتكدّس فيه العالقون في حالة لا تليق بالبشر، ودون أن تكون له أي فرصة بالطبع لاجتياز معبر بيت حانون/ إيريز الذي يسيطر عليه الاحتلال الإسرائيلي.

لم يسافر المصوِّر الصحافي في حياته خارج القطاع لكنّ حلم هذا الشاب المثابر الودود لم يتبخّر رغم انقطاع أنفاسه الأخيرة. فقد ارتقى ياسر مرتجى بوجهه الباسم عالياً إلى ذروة الأفق في عيون شعبه الذي يرى فيه اليوم نموذجاً في الشجاعة لأجل الحقيقة المصوّرة؛ التي تحاول القيادة الإسرائيلية طمسها ولو بالاستهداف القاتل للمراسلين ومصوِّري الصحافة.

عندما خرج ياسر يوم الجمعة 6 إبريل/ نيسان لالتقاط الصور خلال الفعاليات الجماهيرية عند أطراف قطاع غزة؛ كان منشغلاً بالتقاط مَشاهِد مذهلة لجدات فلسطينيات خرجن بأثوابهنّ المطرزة في عربات تجرّها الدوابّ رافعات أعلام فلسطين، ولاجئين طاعنين في السنّ يسيرون على عكاكيز خشبية باتجاه بلداتهم المحتلة منذ النكبة (1948)، وجرحى أصيبوا بنيران القناصة الإسرائيليين قبل أسبوع واحد فقط وأصرّوا على المشاركة مجددا حتى وهم محمولون على الأعناق، وأطفال يطلقون هتافات العودة إلى مدنهم وقراهم التي لم يروها من قبل لكنها مرسومة بدقة في أذهانهم عبر حكايات الأجداد، وغير ذلك كثير.

كان يوماً فلسطينياً آخر مُفعماً بالتحدي رغم الحصيلة الجسيمة من الضحايا التي أوقعها القتل الجماعي الذي مارسه الجيش الإسرائيلي. صنعت الجماهير الفلسطينية الحدث في هذا اليوم بأسلوب مذهل، هو إطلاق سِتار ضخم من الدخان الأسود عبر إشعال عدد هائل من إطارات السيارات المستهلكة. لعلها المرة الأولى التي يجرِّب فيها الفلسطينيون استعمال نصيبهم من الانبعاثات الكربونية أسوة بأمم العالم المستقلة، في رسالة داكنة أفهمت الجميع أنّ غزة لن تختنق وحدها في المتاعب إن استمر العزل والحصار وتجاهُل حقوق اللاجئين الفلسطينيين في أرضهم وديارهم.

رحل ياسر مرتجى وحمله شعبه على الأعناق في تشييع مهيب، وبقيت صوره بين أيدي العالم شاهد إثبات على فظائع وانتهاكات متواصلة.

 

المصدر: ميدل إيست مونيتور

مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

من نيبال إِلى غزّة: حين يُغلِقُ الحاكمُ أُذُنيهِ عن صرخاتِ شعبهِ!

القمع لا يقتل الأفكار، بل يورثها مزيداً من الاشتعال. وكل كلمة مكتومة تتحول جمراً تحت الرماد، تنتظر ريحاً صغيرة لتتحول ناراً تعصف ب… تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    معايدة رمضانية 

تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

 رمضان كريم 
نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى.

كل عام وأنتم بخير 
    معايدة رمضانية  تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.  رمضان كريم  نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى. كل عام وأنتم بخير