اليرموك يطوف في فلسطين
علي بدوان
كاتب ومحلل سياسييواصل الفنان التشكيلي الفلسطيني، إبن مدينة حيفا، ومن الزيتون الصامد على أرضها في حي وادي النسناس، الفنان التشكيلي (عبد عابدي) عرض لوحاته الإبداعية تحت عنوان (تجليات الحرف) إهداء الى شقيقتي في مخيم اليرموك، والى أهلي وشعبي هناك، أخر جولات المعرض ستبدأ يوم الثاني والعشرين من آذار/مارس 2014 في مدينة أم الفحم في صالة العرض للفنون. ويتوقع أن تكون هناك مشاركة لعدد من فناني الوطن والشتات.
تستمر رؤية الفنان التشكيلي (عبد...عابدي) (البصرية ــــ النصية) ضمن صيرورة معرفية ـ إبداعية تراكمية لينتج مجموعة من الأعمال حملت عنوان "إلى لطفية، شقيقتي في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين". تلك المجموعة للفنان التي أنتجها خلال السنوات القليلة الماضية وعُرضت خلال عام 2013، تأتي في تزامن مع حال فلسطينيي سوريا، ومنهم فلسطينيو اليرموك، حيث الكارثة الإنسانية التي أدت إلى تهجير مُعظم سكان المخيم، ووقوع من تبقى في وضعٍ مأساوي، ما يثير في الأذهان أسئلة حول مصير شقيقته لطفية عابدي (أم العبد بدوان)، الشخصية المركزية موضوع تلك المجموعة، ومن هم مثلها من اللاجئين الفلسطينيين الذين يمرون تجربة اللجوء والحرب للمرة الثانية.
(لطفية عابدي) أو (أم العبد بدوان) والتي قارب عمرها على مشارف التسعين، متواجدة داخل تفاصيل غاية في القسوة : الزمن والحرب وخشونة الخيش، تظهر كــ (سيدة ــــ أنثى) تَسِمُها الرقة، يحيطها صورها الفنان وهي صبية قبل وبعد الخروج من حيفا عام النكبة بقماش أبيض مُخرّم ومجدول أشبه بالأقمشة التي تزين ملابس النساء. هذا التضاد بين رقة الأنوثة وقسوة المحيط هي الجمالية المُتكاملة التي يقوم بها العمل الفني، التي تستلهم من الهوية الفلسطينية القائمة بالتضاد نفسه بين حب الحياة وواقع الحرب. في النصف الأسفل من العمل تتواجد حقيبة بيضاء نسوية يبدو عليها القِدَم، أشبه بـ "بقجة" اللجوء ولكن شكلها ولونها الأبيض يوحي بالأنوثة والجمال، في تأكيد مرة أخرى على التضاد. في حين تلعب الكوفية الفلسطينية، أرضية الحقيبة أسفل الصورة الشخصية، دورًا رمزيًا يحيل إلى المقاومة الفلسطينية كسند الحفاظ على الوجود والهوية. ينفتح مفهوم المقاومة على التأويل الإبداعي الذي يتخذ من الفن نفسه نهجًا يقاوم النسيان والمحو بالتذكر واستمرار إعادة الاشتغال على هوية تتشكل بين وطن ومنفى.
أم العبد بدوان أو (لطفية عابدي) مأثرة من مآثر مخيم اليرموك، من رائحة فلسطين والبلاد، من رائحة حيفا ويافا وعكا وصفد واللد والرملة... خرجت من فلسطين عام النكبة مع زوجها ومعها أربعة أطفال، وقد ناهزت الآن عمراً مديداً، لتقول فيه أن نكبة اليرموك كانت أقسى وأشد وقعاً من نكبة الوطن عام 1948.
أضف تعليق
قواعد المشاركة