غزة لا تمشي حافية القدمين

منذ 9 سنوات   شارك:

فايز أبو شمالة

كاتب ومحلل سياسي

تصرخ غزة من شدة الجوع، وتئن تحت ضربات الحصار، وتلهث غزة خلف المعابر، تراقب المسار، وتتشوق إلى سماع الأخبار، ولما تزل غزة بشوق كي تطلق ساقيها إلى الريح، لتزهو فرحًا فوق الغيم، يجللها العطر كصبح ترقبه الأزهار، ولكن غزة الجريحة الأسيرة ترفض أن تقايض كرامتها بلقمة خبز، أو فرصة عمل في المستوطنات الإسرائيلية، وترفض غزة أن تغمس ساقيها في مستنقع المذلة، وترفض أن تبيع طاقة أبنائها وقدراتهم الجسدية إلى عدوهم، لتصير وظيفتهم الرسمية عمالًا في المستوطنات الإسرائيلية، فيا للعار!، كيف يدعي مسئول فلسطيني أنه يحارب الاستيطان اليهودي في الوقت الذي ينسق فيه مع الاحتلال آلية فتح بوابات المستوطنات للعمال الفلسطينيين؟!

ترفض غزة أن تبيع شرفها الوطني في سوق التنسيق الأمني، فهي تعرف أن حصارها الاقتصادي له أبعاد سياسية، وتعرف أن تجويعها وتقطير الماء في عروقها لهما مسارب الركوع على ركبتين متورمتين من العمل الذليل في المدن الفلسطينية المغتصبة التي صار اسمها (إسرائيل)، وصار الشرط لمن أراد الحياة على أرضها أن يكونوا خادمًا لليهود، كما قال الحاخام الشرقي يتسحاق يوسف في درسه الديني يوم السبت بتاريخ 27/3/2016م.

ترفض غزة أن ترسل في كل صباح مئات الحافلات التي تقل أكثر من مئة وأربعين ألف عامل عربي فلسطيني من الضفة الغربية، ضيقت عليهم السلطة الفلسطينية سبل تحرير أرضهم، وصادرت حقهم في المقاومة، ليصادر عدوهم الإسرائيلي حقهم في العيش فوق أرضهم التي أطلق عليها بعد اتفاق (أوسلو) اسم منطقة (c)، ليتغير معها اسم منظمة تحرير فلسطين ليصير منظمة تأمين المستوطنين، وتنظيم وصول الحافلات المحملة بالعاملات والعاملين، والمكلفين بتعمير المدن المحتلة عام 1948م، وتنظيف شوارعها، وتنسيق الزهور في حدائقها، وزراعة حقولها، وتشغيل مصانعها، وصناعة القهوة للنساء اليهوديات، ثم العودة إلى معازل الضفة الغربية محملين بسقط المخلفات، وبعض الشواكل المغمسة بالدمع والعذابات.

غزة ترفض أن تقايض أرض فلسطين ببعض الشواكل الرخيصة، ولذلك حملت البندقية، وحفرت أنفاقًا للمقاومة، وهي تستعد إلى يوم تسترد فيه حق الشعب الفلسطيني كله في امتلاك أرض فلسطين كلها، وهي تعض على وجع اللحظة، وتسترجع الذاكرة الجمعية لسكان غزة قبل عشرات السنين، حين كانت غزة تذهب إلى المدارس حافية القدمين، وحين كانت تنتظر وجبة الإفطار من مراكز التغذية التابعة لـ(أونروا)، وحين كانت ترتجف من شدة البرد، ولا تجد تحت الخيام ما تستر به جسدها النحيل، ومع ذلك رفضت غزة الهزيمة، ورفضت السكينة، ورفضت أن تقايض الوطن فلسطين بالتوطين.

حدثني وزير العدل السابق الأستاذ فريح أبو مدين فقال: "كان وضعنا المادي جيدًا مقارنة ببقية اللاجئين، وقد اشترى لي والدي حذاءين، فحين لبستهما ودخلت بهما المدرسة صرت أعجوبة بين الطلاب، لقد التفوا من حولي، يتفرجون على حذاءي، فأنا الوحيد الذي يلبس حذاءين في مدرسة مخيم البريج للاجئين، لذلك قررت في اليوم التالي أن أخفي حذاءي في صريف الصبر على طريق المدرسة، وأن أدخل المدرسة حافي القدمين كبقية الطلاب".

غزة المحاصرة لا تمشي حافية القدمين، ولما تزل تجد قوت يومها، ولما تزل تجد المأوى لأهلها، ولشعبها القدرة على التكافل الاجتماعي، والصمود مئة عام أخرى، ولن تركع غزة أبدًا، لأن فيها إرادة المقاومة قبل أن تكون فيها بندقية المقاومة.

مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

من نيبال إِلى غزّة: حين يُغلِقُ الحاكمُ أُذُنيهِ عن صرخاتِ شعبهِ!

القمع لا يقتل الأفكار، بل يورثها مزيداً من الاشتعال. وكل كلمة مكتومة تتحول جمراً تحت الرماد، تنتظر ريحاً صغيرة لتتحول ناراً تعصف ب… تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    معايدة رمضانية 

تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

 رمضان كريم 
نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى.

كل عام وأنتم بخير 
    معايدة رمضانية  تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.  رمضان كريم  نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى. كل عام وأنتم بخير