الأرض الفلسطينية المنهوبة

هشام منوّر

​كاتب وأكاديمي فلسطيني

انتهت المهلة المحددة للتفاوض كما كان متوقعاً، وفشل الوسيط الامريكي الذي لم يكن محايداً في يوم من الأيام بإجبار الطرفين على مواصلة مسرحية التفاوض التي ملها الجميع دونما استثناء، لكن انتهاء التفاوض الذي أدركت السلطة الفلسطينية أنها لن تستطيع بعد اليوم مواصلة المشوار فيه، رغم الوعود والترهيب والترغيب المصطنع الذي كان يقدم لها، لم يوقف يوماً سرقة الأرض الفلسطينية التي ما بات الفلسطينيون يمتلكون من مساحتها التاريخية سوى بضع كيلومترات، محاطة بسياج أمني خانق وتواصل جغرافي معدوم.

الجهاز المركزي للإحصاء كشف مؤخراً أن الاحتلال الإسرائيلي يسيطر على أكثر من 85′ من أرض فلسطين التاريخية، وأن نصف المستعمرين يسكنون في محافظة القدس. وأظهر البيان الإحصائي الذي صدر لمناسبة ذكرى يوم الأرض، قيام سلطات الاحتلال بهدم المنازل الفلسطينية، ووضع العراقيل والمعوقات لإصدار تراخيص البناء للفلسطينيين. وبحسب مؤسسة المقدسي، فإنه منذ عام 2000 وحتى 2013 تم هدم 1230 مبنى في القدس الشرقية، ما أسفر عن تشريد ما يقرب 5419 شخصا منهم 2832 طفلا و1423 امرأة، ويقدر إجمالي الخسائر التي تكبدها الفلسطينيون جراء عمليات الهدم لمبانيهم في القدس، بنحو 3.5 مليون دولار.

وتيرة عمليات الهدم الذاتي للمنازل في القدس تزايدت منذ عام 2000، حيث أقدمت سلطات الاحتلال على إجبار 320 مواطناً على هدم منازلهم بأيديهم، وشهد عام 2010 أعلى عملية هدم ذاتي، بلغت 70 عملية، وفي عام 2009 بلغت 49 عملية هدم. فإجمالي مساحة المنازل التي تم هدمها في القدس خلال عام 2013 تضاعفت عما هي عليه في عام 2012، وبلغت مساحة المباني السكنية المهدومة خلال عام 2013 نحو 6196 م2، بالمقابل بلغ إجمالي مساحة المنشآت المهدومة نحو 1150 م2.

بيانات مؤسسات حقوقية إسرائيلية تؤكد أن سلطات الاحتلال قامت بهدم أكثر من 25 ألف مسكن في فلسطين منذ عام 1967، ما يعني ان هدم المنازل في القدس وفلسطين المحتلة بوجه عام سياسة رسمية معلنة ولا يخجل الاحتلال من ممارستها، في ظل انعدام أي رقابة او محاسبة دولية. وفي نهاية عام 2013، بلغ عدد المواقع الاستيطانية والقواعد العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية 482 موقعاً، أما عدد المستوطنين في الضفة الغربية، فقد بلغ 563546 شخصاً نهاية عام 2012. 49.2% من المستوطنين يسكنون في القدس، حيث بلغ عـددهم نحو 277501 شخص، منهم 203176 في القدس الشرقية، وتشكل نسبة المستوطنين إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية نحو 21 مستوطناً مقابل كل 100 فلسطيني، في حين بلغت أعلاها في محافظة القدس بنحو 69 مستوطناً مقابل كل 100 فلسطيني.

نهب الاحتلال لم يقف عند المباني والمناطق السكنية بل تعداه إلى تجريد الفلسطينيين من أراضيهم، إذ تشير بيانات الاحصاء الإسرائيلي إلى أن المساحة المزروعة في المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية خلال عام 2012 نحو 86 كم2، معظمها زراعات مروية، مستغلة نحو 50 مليون م3 سنوياً للزراعة من المياه الجوفية الفلسطينية، بينما لم تتجاوز المساحة الأرضية المزروعة المروية من قبل الفلسطينيين 78كم2، ولا تزيد كمية المياه المستهلكة للزراعة في الضفة الغربية عن 30 مليون م3 سنويا حسب بيانات عام 2011 بسبب القيود الإسرائيلية الكبيرة على الفلسطينيين في استخراج مياههم الجوفية.

85′ بالمئة من مساحة فلسطين التاريخية باتت في يد الاحتلال، وهو الذي لم يتوقف طمعه يوماً عن حد او مبلغ، في ما تبقى أقل من 15% من فلسطين بيد أهلها الذين يعانون أسوأ تمييز عنصري واحتلال استيطاني عرفه التاريخ الحديث، في وقت يصادق فيه الاحتلال الإسرائيلي شهريا على ما يزيد على 2000 وحدة سكنية جديدة في المستوطنات المختلفة، ما جعل عام 2013 الفائت يسجل اكبر هجمة شرسة عرفتها فلسطين التاريخية طالت الأرض المزروعة والسكنية منها على حد سواء، حيث طالت الاعتداءات نحو ثمانية آلاف دونم بالاستيلاء، أو التجريف أو الحرق، وأكثر من 15 ألف شجرة مثمرة تم تدميرها، وإعلان سلطات الاحتلال عن المصادقة على إقامة ما يزيـــــد على 23 ألــــف وحدة سكنية تركزت في المستوطنات المحيطة بمدينة القدس المحتلة، بحسب التقرير السنوي الصادر عن دائرة العلاقات الدولية بمنظمة التحرير الفلسطينية.

فهل تلتفت المصالحة الفلسطينية القائمة حالياً، إلى مخاطر زوال ما تبقى من ارض فلسطينية وتعود إلى النضال من أجل المحافظة على ما تبقى واستعادة ما ذهب… الأولوية لعملها المستقبلي؟

المصدر: صحيفة القدس العربي اللندنية

مقالات متعلّقة