الانتفاضة... تفكيك وتركيب
عماد توفيق عفانة
مدير عام المركز العربي للبحوث والدراساتعندما اندلعت المظاهرات في العام 1987 إثر حادثة المقطورة الصهيونية التي فرمت سيارة العمال، أطلق عليها الاحتلال تسمية انتفاضة، وأخذت هذه التسمية موقعها في القواميس الانجليزية بذات اللفظ، حيث لم يجدوا لا أي ترجمة.
وعندما وصل المسار السياسي لياسر عرفات إلى طريق مسدود في اعقاب فشل مؤتمر كامب ديفيد سنة 2000م، لرفضه التخلي عن القدس، حيث تأكد لعرفات أن الصهاينة لا يريدون السلام مع الشعب الفلسطيني، بل يريدون اخضاعه واستمرار الاحتلال ولكن من خلف تسميات تدغدغ المشاعر مثل تسمية السلطة الوطنية الفلسطينية، ولم يجد عرفات طريقا آخر سوى طريق الانتفاضة التي أنشأت السلطة لإنهائها، ونجح العدو في تغييب عرفات ولكنه أبقى على السلطة.
واليوم وبعد 15 عاما ها هي ذات المشاهد تعيد نفسها وكأن الفضائيات تخرج المشاهد من ارشيف الانتفاضتين السابقتين، رشق بالحجارة وبالمولوتوف، عمليات طعن سبقها عمليات دهس، والسبب هو ذاته الدفاع عن حرمة المسجد الأقصى الذي دنسه شارون، ويحاول نتنياهو اليوم تقسميه مستغلا الضعف والانشغال العربي المميت.
نشأت السلطة كنتيجة سياسية لانتفاضة 1987، وغيب قائد الثورة أبو عمار كنهاية لانتفاضة الأقصى 2000م، وتندلع اليوم انتفاضة إيذانا ربما بنهاية السلطة التي يقودها عباس، ذلك الوهم الخادع الذي شكل غطاء لابتلاع الاحتلال ما تبقى من الضفة والقدس.
ولكن لماذا يصر الفلسطينيون على تسمية الثورة الشعبية الآن بالانتفاضة، علما ان الاحتلال هو من اطلق هذه التسمية، متجنبا تسميتها بالثورة كي لا تأخذ بعدا وطنيا تحرريا..!!
ورغم مرور نحو اسبوعين على اندلاع الأحداث، إلا أن الكل الفلسطيني ما زال مختلفا على تسمية "الانتفاضة"، فمنهم من يعطيها اسم انتفاضة القدس، ومنهم من يقول انتفاضة الكرامة، وذهب آخرون لتسميتها بانتفاضة التحرير، ويشترك الجميع بتجنب تسميتها ثورة او حتى حرب التحرير مثلا.
نحو 22 عملية طعن ارتقى خلالها نحو 23 شهيدا في الضفة والقدس، و9 شهداء منهم في غزة، ومئات الاصابات التي ترافق عمليات الرشق بالحجارة والقاء الزجاجات الحارقة، واشعال الاطارات، فيما فصائل المقاومة تتردد في استخدام السلاح للدفاع عن الشعب الثائر والمستباح.
مقاطعة عباس في رام الله تحولت على الأثر الى قبلة للاتصالات الدولية لتهدئة الأوضاع كي لا تخرج عن السيطرة فتحرج الأصدقاء قبل الخصوم، فاتصل بعباس كل من كيري والجبير السعودي والقصر الملكي الاردني، وتستعد المقاطعة لاستقبال السفير المصري، فهل تملك مقاطعة عباس مفاتيح التهدئة أصلا، علما ان الانتفاضة هي على السلطة وقمعها وفسادها كما هي على الاحتلال..!!.
"الانتفاضة بلا قيادة وبلا رأس" عبارة باتت تتكرر كثيرا منذ اندلاع الأحداث، وهي عبارة غير دقيقة البتة، حيث ان فصائل المقاومة مثل حماس والجهاد كانت تخطط وتدبر وتنتظر اللحظة التي تخلع فيها الضفة ثوب الهدوء واللامبالاة، وتلبس فيها ثوب الكرامة والغضب للمقدسات والأعراض المنتهكة والدماء المستباحة، وأن لا تظهر حماس مثلا بقوة في الصورة، لا يعني أنها لا تقف بكل قوتها وأجهزتها وامتداداتها التنظيمية خلف الأحداث وتأجيجها في الضفة والقدس المحتلة، وانما تواريها في الظل يأتي حاليا حرصا منها على احداث اجماع شعبي خلف "الانتفاضة" لا تفسد لوحتها الجميلة الأولوان الحزبية والفصائلية.
طالما شارك شعبنا في اراضي 1948 في المظاهرات والهبات والمواجهات، وطالما ارتقى منهم شهداء، وما مظاهراتهم المندلعة على امتداد المدن والقرى العربية في الداخل المحتل، إلا تعبير عن الاسناد والدعم لانتفاضة الضفة والقدس، غير ان تهديدات نتنياهو بالعمل على حظر الحركة الاسلامية في الداخل، والتهديدات المقابلة من الحركة الاسلامية بوجود خطة متكاملة للتعامل مع هذا الخطر سيفاجئ العدو المحتل، إلا إيذانا بقرب اللحظة التي يأخذ فيها شعبنا في الداخل دورهم كاملا في ساحة المواجهة دفاعا عن القدس والأقصى، وعدم الاكتفاء بلعب دور الاسناد والتأييد فقط.
نأمل ألا تطول الفترة التي تتوارى فيها قيادة الانتفاضة في الظل، وان تعمل على انشاء واجهة سياسية وطنية لها من الداخل والخارج، من الفصائل ومن المستقلين والشخصيات الاعتبارية.
كما نأمل أن تعلن وبشكل عاجل هذه القيادة عن سقف مطالب الثورة الشعبية المنطلقة، وأن لا تترك الأمور تبعا لحالات المد والجزر التي تواكب مثل هذه الأحداث عادة، حفاظا على الزخم الشعبي، وتحقيقا لمزيد من الالتفاف الشعبي والجماهيري في الداخل والخارج.
المصدر: الرسالة نت
أضف تعليق
قواعد المشاركة