فلسطينيو سورية.. موسم الهجرة إلى الشمال والجنوب؟!
ماهر الشاويش
إعلامي فلسطينيتنتهي رواية الأديب السوداني الطيب صالح في لحظة انعتاق من الذات يقوم بها الراوي في لحظة يندمج فيها كإنسان عارٍ مع نهر النيل الذي هو أصل الحكاية كلها.
هذه باختصار أحداث هذه الرواية التي عُدَّت معجزةً أدبيةً في الأدب العربي، لا بل الأدب العالمي ككل، وهي بالتأكيد رواية صالحة لكل زمان ومكان.
ليس المقصود هنا المطابقة أو المقارنة بين تفاصيل الرواية وما قد يواجهه أي فلسطيني سوري في هجرته إلى الشمال حيث تركيا، أو إلى الجنوب حيث مصر وليبيا، كمنطلق إلى أوروبا بحثاً عن الإنسانية المفقودة في «بلاد العرب أوطاني»؟!
الإنسان والبحر ثنائي يختزل واقع معظم فلسطينيي سورية منذ بداية أزمتهم، فلا تكاد تخلو عائلة فلسطينية من قصة مغامرة خاضها أحد أفراد العائلة، أو ربما العائلة مجتمعةً ضمن سلسلة من أحداث وتفاصيل يندى لها جبين الإنسانية، وتحمل بين ثناياها الكثير من مشاعر الألم والأمل.
دوافع الهجرة باتت كثيرة ومتعددة ومتشعبة، وظهرت تجلياتها بوضوح في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين وتجمعاتهم، وحيثما حلوا وارتحلوا، في نتيجة طبيعية لظروف المعاناة الصعبة التي يرزحون تحتها، ولغياب البيئة الحاضنة التي لم ترتقِ إلى أبسط ما قد يواجهونه من تحديات مادية ومعنوية.
القتل، السجن، الموت، الضياع وأمور كثيرة هي من أبرز عناوين مغامرة الهجرة، وما يرشح من إحصائيات معظمه يشير إلى من نجا دون أي إشارة واضحة ومحددة لمصيرٍ هو أصلاً يندرج ضمن المجهول بالنسبة إلى آخرين كثر منذ لحظة التفكير بخوض غمار التجربة.
على مدار سنوات الأزمة السورية الثلاث، وفي مطلع فصل الصيف، تبدأ فصول الحكاية وتتصدر ظاهرة الهجرة لتغدو حديث الساعة.
ويبقى العجز أمام اجتراح أي حلول لها هو سيد المشهد، فلا ناصحَ بها، ولا زاجرَ عنها يملك تسويق مبرراته للوصول إلى برّ الأمان في رؤية ناضجة مكتملة الأركان على المستوى الشخصي أو الوطني.
هي دعوة للوقوف على هذه الظاهرة وبحث نتائجها على مجمل القضية الفلسطينية سلباً وإيجاباً، وعدم الاكتفاء ببيانات قلنا عنها سابقاً إن حناجر المطالبين بالهجرة قد تجاوزتها. فإذا كان هناك مشروعٌ انعكاساته سلبية، فلا بد من مواجهته بوضوح مع تقديم البدائل، وإذا كان الأمر لا يعدو كونه اجتهادات شخصية فرضها الواقع الصعب وظروف المعاناة، فهذا يفرض حراكاً ينسجم مع هذا التشخيص. أما إذا كانت هناك سيناريوات ومآلات أخرى قد لا نعلم دوافعها، فهذا أدعى للبحث والتمحيص.
المسؤولية شخصية ووطنية وعربية وإسلامية تستدعي وقفة جادة ودوراً حقيقياً من كل هذه الأطراف أمام هذا النزف الذي يطاول الإنسان والإنسانية جمعاء، مستصرخاً كل ضمير حيّ.
ظاهرة الهجرة طاولت كل عائلة وغزت كل مخيم وتجمع فلسطيني، وهي تتدحرج ككرة الثلج، وتتزايد بسرعة كالنار في الهشيم.
كل الظروف مواتية لركوب موجتها في ما لا يصبّ في مصلحة القضية الفلسطينية، إن على المستوى الشخصي أو الوطني، والمتربصون كثر لخلط الأوراق واللعب بمصير هذا الشعب في معركته المفتوحة مع أعتى كيان غاصب كوّنته شرذمة من شذاذ الآفاق، جمعهم العداء لديننا وأوطاننا، ولديهم استعداد لاقتناص أي فرصة لتثبيت أركان مشروعهم، ولا سيما في ظل حالة تراجع الاهتمام بالقضية المركزية في غمرة الانشغال بالحسابات الفئوية الضيقة على المستوى الفصائلي، والمصالح الشخصية على صعيد الفصيل الواحد، وفي أجواء لا تتوافر فيها أدنى حدود التضامن من الأشقاء العرب والمسلمين الغارقين في شؤونهم الداخلية.
أضف تعليق
قواعد المشاركة