عمال غزة في عيدهم.. ضنك الحياة يجبرهم على الاقتيات من" القمامة"!

منذ 9 سنوات   شارك:

لمحت في عينيه نظرة انكسار تعرفها خبرتي الصحفية، رغم وجودنا على بعد أمتار قليلة من جنود الاحتلال، تفوق الفقر على رهبة الموت؛ فموقع عمله القسري قذر للغاية، وهو محل لحركة الجنود الذين يتقدمون للمكان متى شاءوا.

زاد نباح الكلب الهائج بين أكوام القمامة المكان وحشةً فوق وحشته، فيما تجول أفواج الغربان فوق الجيف تشاركها أسراب الذباب على ارتفاع أقل لتكتمل معها لوحة مقيتة تعكس بؤسا وضنك حياة.

من بوسعه إخبار محمد اللوح (37 عاما) أن اليوم هو "عيد العمال"؟!؛ فبرنامجه اليومي في النبش بأكوام القمامة على الحدود من السابعة صباحاً حتى الثانية عشرة ظهراً لجمع "البلاستيك والألمنيوم والنحاس" لم ولن يتغير.

ويتجول صبيحة كل يوم 5 رجال فوق مجمع النفايات شرق دير البلح يبحثون عن أي شيء صالح للبيع، وقد انخفض عددهم منذ انتهاء الحرب نظراً لخطورة المكان الملاصق للسياج الفاصل مع الأراضي المحتلة منذ عام 48، أو ربما لأنهم من قدامى العمال كما يقولون هم تندّراً.

ضيف دائم

منذ 12 سنة يتجول محمد اللوح في مكب النفايات لجمع "البلاستيك" و"المعادن" من الآنية والأجهزة النافقة في كيس اعتاد حمله على ظهره ثم يبيعها لتجار "الخردة" أو مندوبي المصانع التي تعيد تدويرها من جديد.

بعد حوار مع حارس مجمع النفايات الذي رفض صعودي لقمة المجمع المطلة مباشرةً على الحدود لعدم وجود تنسيق هبط "اللوح" من أعلى ممثلاً عن 4 زملاء لا يزالون منشغلين بالنبش في القمامة.

ويرفض موظف إدارة النفايات الصلبة المكلف بتقييد كل حمولة ترد للمكان أو مسئولو الإدارة الذين أجرى مراسل "المركز الفلسطيني للإعلام" اتصالاً معهم من داخل المجمع التعقيب على قصة العمال، مؤكدا أنهم يتجولون في مكان خطر للغاية على مسئوليتهم الخاصة.

يقول اللوح: "في رقبتي 35 فردًا هم أولادي وإخواني وأبناؤهم فلا عمل لنا وأنا أجمع كل يوم وأبيع بلاستيك وألمونيوم ونحاس فأحصل على 15 أو 20 شيكلا فأتابع شاحنات القمامة وأتوجه للنبش في كل شاحنة تفرغ حمولتها".

يستعين اللوح بقضيب حديد طويل معقوف من نهايته وشوال بلاستيك وبخبرة قديمة يمد القضيب لفحص كومة من القمامة متحسساً صلابتها ثم يلتقط آنية بلاستيكية وإبريق شاي يضمها لأخواتها في الشوال على ظهره.

يعدّ يوم السبت أفضل أيام العمل؛ فعادة ما يرتفع ربحه فيه إلى 30 شيكلا لأن عربات النفايات تحمل كميات إضافية من القمامة بعد انتهاء العطلة الأسبوعية وتفرغها في المكب فتحثه على المزيد من البحث ليجد عادة كمية إضافية من "طريدته".

"العروس"

لا تقتصر مهمة "اللوح" على الجمع ثم البيع بل تغريه أكوام النفايات لمحاولة تلبية أحلام أطفاله الصغار بالعودة لهم بدمية أو حقيبة مدرسية أو حتى ملابس بالية متى حالفه الحظ.

عن ذلك يتابع: "أولادي فارس (14 سنة) وداليا (6 سنوات) و يوسف (سنتان) وأحمد (شهران).. لما بلاقي عروس بأغسلها وأعطيها لبنتي ولما أجد شنطة أغسلها وأنظفها لهم.. حتى في أيام قبل العيد أبحث عن ملابس وأعود بها لهم..".

قبل أن يجيب "اللوح" عن سؤالي حول مهنته قبل النبش في النفايات يبتسم كاشفاً عن أسنانه الصفراء التي أكل الدهر عليها وشرب، ويضيف: "كنت جنايني والآن بأجمع زبالة! لكني زرعت قبل فترة 4 شجرات زهور في حوش الدار".

على أحلامه البسيطة يعدّ اليوم الذي عثر فيه على آنية نحاسية للقهوة بأنه كان أفضل يوم في حياته منذ 12 سنة؛ فقد باعه يومها بـ75 شيكلا وهي تضاهي عمل 4 أيام في النبش في النفايات.

وتضرر منزل اللوح في الحرب الأخيرة عندما أطلقت طائرات الاحتلال عدة صواريخ على قطعة أرض زراعية مجاورة لمنزله ما أدى لأضرار جسيمة في سقف الصفيح ونوافذ وأبواب البيت.

خيار وحيد

بصعوبة وافق الشاب محمد القديّم على الهبوط من قمة مجمع النفايات مرافقاً عربة أفرغت حمولتها وهبطت مغادرةً المكان فلديه انطباع أن الصحفيين الذين قابلوه في مرة سابقة لا يجدي عملهم نفعاً.

تعرض مجمع النفايات للقصف في الحرب الأخيرة واشتعلت فيه النيران طول أيام القصف، ومؤخراً تجدد الحريق بسبب بعض المواد التي تصل للمجمع وهي نصف مشتعلة ما يشكل مكرهة بيئية لسكان المنطقة المحيطة خاصةً إذا كانت الرياح شرقية.

يمسح عرق وجهه بقميصه، ويصيف: "عمري 25 سنة وأعمل هنا من 10 سنوات فلا يوجد بديل! قيمة كل ما أجمعه لا تتجاوز 20 شيكلا في أحسن يوم، لكني مضطر فأسرتي مكونة من 12 فردًا ولي أخت في الجامعة".

يتعرض محمد وبقية العمال في مجمع النفايات شرق دير البلح أحياناً لإطلاق النار؛ فهم يعملون على خط الصفر حيث لا تفصلهم من الجهة الشرقية للمكب أي مسافة تذكر.

خلال نوبة العمل الصباحية رأى محمد كثيراً من حالات التسلل التي يقوم بها شبان يحاولون اجتياز الحدود فتنتهي رحلتهم بالموت أو الاعتقال، بينما يفضل هو العمل في مهنته الاضطرارية معتقداً أنها أفضل من غيرها في ظل البطالة.

وتشرف إدارة النفايات الصلبة على مجمعين للنفايات على حدود قطاع غزة الأول شرق دير البلح والثاني شرق قرية جحر الديك ويقيد موظفوها حمولة كل عربة نفايات تفرغ حملها في المكب الذي يتمتع بشكل محدود من المعالجة.

كغيره من سكان القرى المحيطة تضرر منزله في الحرب لكن أسفه الكبير على حصانين تملكهما أسرته أطلق الجنود الرصاص عليهما فقتلوهما على الفور دون أن يتعرض الجنود لأدني خطر في القرية.

ويواصل خمسة عمال صبيحة كل يوم عمليات النبش في أكوام النفايات والقمامة على مسئوليتهم الخاصة؛ لأنهم يتجولون على خط الحدود بشكل مباشر شمال موقع "كسوفيم" العسكري أكبر مواقع الاحتلال على حدود قطاع غزة.



السابق

عمال الضفة في عيدهم... ملاحقة واعتقال ولقمة خبز مغمسة بالدم

التالي

انتماء في لبنان تطلق أولى فعالياتها لشهر النكبة في "يوم تراثي" في الجنوب


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة "Gaza Writes Back"

  !israel is a piece of shit and they know ittwitter.com/ThisIsGaZa/status/595385208385449985/photo/1 




تغريدة "عاصم النبيه- غزة"

 عندك القسام وبتأيد داعش؟ روح استغفر ربك يا زلمة.. #غزةtwitter.com/AsemAlnabeh/status/595507704338186240
 




تغريدة "أحمد بن راشد بن سعيد"

القاهرة تنتفض ضد قرار تقسيم #فلسطين عام 1947.كان زمان!لكن تظل #فلسطين_قضيتناtwitter.com/LoveLiberty/status/594548013504307200/photo/1




تغريدة "Joe Catron"

 Take a moment to thank "@MsLaurynHill" for cancelling her concert in occupied Palestinetwitter.com/jncatron/status/595337215695192064/photo/1




تغريدة "Dr. Ramy Abdu"

 المغنية الأمريكية المشهورة لورين هيل تلغي حفلها الفني في "إسرائيل" بعد حملة واسعة لنشطاء حركة المقاطعة.twitter.com/RamAbdu/status/595530542910742528




تغريدة "النائب جمال الخضري"

في #غزة يقهرون الإعاقة ويلعبون الكرة الطائرة أطرافهم بترت اثناء الحرب على غزة لا يأس ولكن عزيمة وصمود لهم التحية.twitter.com/jamalkhoudary/status/595520655858147328





 

حسام شاكر

الإبداع في ذروته .. رفعت العرعير مثالاً

أيُّ إبداعٍ يُضاهي أن تُنسَج القصيدة المعبِّرةُ من نزفِ شاعرها أو أن تصير الكلمات المنقوشة بالتضحيات العزيزة محفوظاتٍ مُعولَمة في … تتمة »


    ابراهيم العلي

    في ظلال يوم الأرض الفلسطينون : متجذرون ولانقبل التفريط

    ابراهيم العلي

     يعد انتزاع الاراضي من أصحابها الأصليين الفلسطينيين والإستيلاء عليها أحد أهم مرتكزات المشروع الصهيوني الاحلالي ، فالأيدلوجية الصهي… تتمة »


    لاعب خط الوسط الأردني محمود مرضي يرفع قمصيه كاتباً "هي قضية الشرفاء" ، بعد تسجيل هدف لمنتخبه ضد ماليزيا.
    لاعب خط الوسط الأردني محمود مرضي يرفع قمصيه كاتباً "هي قضية الشرفاء" ، بعد تسجيل هدف لمنتخبه ضد ماليزيا.