الذكرى 75 للنكبة وإنا لعائدون
النكبة قراءات وتأمّلات بين سطور الماضي والحاضر
شبكة العودة الإخبارية-أحمد موسى
كانت البداية في عام 1799، عندما دعا نابليون بونابرت خلال الحملة الفرنسية على مصر إلى إنشاء وطن لليهود على أرض فلسطين، إلا أن خطته التي لم تلقَ النجاح في حينها شكّلت شارة الانطلاق، أخذ البريطانيون الدعوة ذاتها في أواخر القرن التاسع عشر وخلال المؤتمر الصهيوني الذي عقد في بازل. ومنذ أفول نجم الخلافة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، استغلت بريطانيا الموقف وعملت جاهدة على تهيئة الظروف للمخطط الكبير، وبدأت ملامحه بالظهور بعد صدور تصريح بلفور المشؤوم عام 1917. وقد شكل هذا التصريح بدايةً لنقل العصابات الصهيونية إلى أرض فلسطين التاريخية وبمساعدة الانتداب البريطاني آنذاك.
وبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، تبلورت اتفاقية "سايس بيكو" كمنهج استعماري خبيث، وتكرّست هجمات العصابات الصهيونية بالتنسيق مع الانتداب البريطاني، وصار تنفيذ المجازر بحق الفلسطينيين العرب منهجية للترويع، ما أدى إلى حدوث الهجرة الكبرى من عشرات المدن والقرى الفلسطينية، وطرد سكانها الأصليين بالقوة. وشهدت تلك الأعوام أكثر من 70 مجزرة؛ منها 34 مجزرة في عام 1948، نفذتها العصابات الصهيونية، التي أمدّتها بريطانيا بالسلاح والدعم، كمجازر دير ياسين وقيسارية والطنطورة وحيفا والصفصاف والرملة واللد وغيرها، وسيطرت العصابات الصهيونية على 774 قرية فلسطينية فضلاً عن المضارب البدوية، ودمرت أكثر من 531 قرية بالكامل، وطمست معالمها الحضارية والتاريخية.
وفي 14 أيار (مايو) 1948 قرر البريطانيون إنهاء انتدابهم لفلسطين، وفي اليوم نفسه أعلن رئيس الوكالة الصهيونية ديفيد بن غوريون "إقامة دولة إسرائيل".
وفي اليوم التالي 15 أيار (مايو) 1948 أعلن الفلسطينيون يومها نكبتهم، ومنذ ذلك الوقت دخلت المنطقة العربية في جملة من الصراعات اللامتناهية وشهدت المنطقة سلسلة من الهزات المتلاحقة.
النكبة.. إنها الذكرى الأليمة.. التي بدأت من أربعينيات القرن الماضي، والتي لا تغادر ذاكرة الفلسطينيين جيلاً بعد جيل، وبعد استكمال العصابات الصهيونية تهجيرهم من أرضهم التاريخية، وإقامة ما تدّعي اليوم "دولة الكيان الغاصب" على أنقاض شعب هُجّر بأكمله. ومن يومها تكالبت الأمم على شعبنا، وتوالت المصائب والمحن بهزائم عربية متوالية، وانقسم المعسكر العربي بين خندقين، الأول ما عُرف بالتسوية والاعتراف بهذا الكيان السرطاني كأمر واقع وبالتالي إقامة علاقات دبلوماسية حسب الاتفاقيات الهزيلة، والخندق الآخر الرافض للتسوية مع الكيان الغاصب.
وكأن قدر الفلسطيني أن يعاني الأمرّين، مرارة اللجوء ومرارة النزاعات الداخلية في دول الطوق، بدأ الأمر يتجلى بتدخل خيوط المخابرات الغربية أفضى حينها لمؤامرات من هنا وهناك، وانزلقت المنطقة لسلسلة من العنف الداخلي وتحويل المنطقة لقضايا الإرهاب في عددٍ من الدول.
ومنذ تلك اللحظات العصيبة، لا تزال ذكرى النكبة تتعايش مع الفلسطينيين أين ما حلوا وارتحلوا، هذه الذكرى تتكرر مأساتها وفصولها مع الواقع العربي المرير الذي يسير عكس طموحات وآمال الفلسطينيين، هذا المسلسل من النكبات يستمر لعدة أسباب أولها سوء التعامل الدولي مع ملف اللاجئين بين الفينة والأخرى، وتمييع حقوقه نتيجة الأزمات العربية العربية والصراعات الداخلية، وثانيها عدم استيعاب العرب لجملة من المفاهيم والمواقف الصلبة تجاه قضيتهم الجوهرية وعلى رأسها قضية اللاجئين وحقوقهم.
لم تنتهِ فصول النكبة الفلسطينية عام 1948، بل تبعتها نكبات أخرى مروراً بنكسة حزيران عام 1967 حتى نكبة أيلول الأسود والحرب الأهلية في لبنان 1975 التي ألقت بظلالها على أبناء شعبنا في لبنان، وأيضا تهجير الفلسطينين من العراق.
وكأن قدر اللاجئ الفلسطيني أن يمتحن ويعيش فصول النكبة بكل ألوانها، فلا تكاد تجد بقعة في هذه الأرض إلا وتحمل في أحشائها وتحتضن جثث الفلسطينين، هذه النكبات المستمرة حدثت أمام مرأى ومسمع من العالم أجمع، ولذلك تبقى نكبة أبناء فلسطين وصمة عار على جبين أدعياء العالم الحُر الذين ينادون بحرية الإنسان والحفاظ على حقوقه، لذلك فإن معاجم اللغات تقف عاجزةً وقاصرةً عن إيجاد المفردات اللغوية لوصف هذه النكبات التي حلّت على رؤوس أبناء شعبنا بعد أن وجدوا أنفسهم بين ليلةٍ وضحاها مُهجرين ومُشردين في شتى أصقاع الأرض وخارج أرضهم بعد أن فقدوا أعز ما يملكون من الغالي والنفيس.
ورغم مرور 75 عاماً على النكبة الكبرى عام 1948 لا يزال اللاجئون الفلسطينيون يحتفظون بمفاتيح بيوتهم القديمة والمقتنيات التي حملوها معهم منذ التشريد والتهجير الأول، وعلى خطى اللاجئين الأوائل يتناقل الأبناء والأحفاد تلك المقتنيات بوصفها كنوزاً لا تُقدر بثمن ولا تقبل التفريط. ورغم كل ذلك، ما زالت ثقتنا راسخة بأننا سنتغلب على هذه الذكرى الأليمة وسنمحو آثارها، ولن نتخلى عن حق العودة إلى أراضي فلسطين التاريخية من رأس الناقورة إلى أم الرشراش، وهذا أمل يتطلع شعبنا إليه يوماً بعد يوم، ويسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريباً بإذن الله.
أضف تعليق
قواعد المشاركة