بروح وطنية عالية، وانتماء مقدس لهذه الانتفاضة الشعبية الراهنة، جاد المواطنون في الضفة الغربية والقدس المحتلتين بما لديهم من أموال وممتلكات ومصاغ ذهبي وغذاء، في إطار حملات تبرعات أطلقت من أجل إعادة إعمار منازل عائلات منفذي العمليات البطولية التي هدمت قوات العدو الصهيوني منازلهم كإجراء عقابي لهم على أفعالهم النضالية السامية.

مشاهد توجه المواطنين للتبرع بما لديهم، عكست دلائل قوية وثابتة على حب هذا الشعب للمقاومة، فحتى الأطفال توجهوا إلى حصالاتهم وبحثوا في ثناياها عما يتوفر من نقود ليقوموا بالتبرع بها من أجل إعادة إعمار منازل المهدمة منازلهم، فيما النساء قدمن من حليهن الذهبية بما يشير إلى أن دماء الشهداء غالية لديهن كما أغلى ما يملكوهن، كما تبرع الرجال بعشرات آلاف الشواقل دون تردد أو حسبان .

100 ألف شيكل

من بين هذه الحملات، كانت حملة أطلقها نشطاء مقدسيون لجمع التبرعات لإعادة بناء منزل عائلة الشهيد ابراهيم العكاري في مخيم شعفاط شمال مدينة القدس (منفذ عملية دهس أسفرت عن مقتل مستوطن وإصابة13آخرين العام الماضي)،الذي فجره الاحتلال يوم الأربعاء الماضي،حيث استطاعوا جمع تبرعات بقيمة 100 ألف شيقل نقداً، إلى جانب المصاغ الذهبي الذي لم يعرف قيمته حتى الآن .

وفور هدم منزل الشهيد العكاري الأربعاء الماضي، قام أحد المواطنين باستئجار شقة سكنية لعائلة الشهيد إبراهيم العكاري، فيما قام آخر بتوفير أثاث كامل له، كإجراء أولي لاحتواء العائلة.

ويؤكد أحمد أبو حمدان القائم على حملة جمع التبرعات لإعادة اعمار عائلة العكاري، أن إطلاق هذه الحملة جاء بشكل عفوي من سكان مخيم شعفاط في صورة تحدٍ واضح منهم للاحتلال الإسرائيلي، لمواجهة سياسة هدم منازل منفذي العمليات البطولية في القدس المحتلة.

وقال أبو حمدان في تصريحٍ صحفي: "منذ اللحظة الأولى من عملية الهدم بدأ سكان المخيم في أعمال إعادة ترميمه، حيث قام مجموعة من الشباب بإزالة الركام وتنظيف المنزل دون توجيهات من أحد، فيما عقد وجهاء المخيم اجتماعاً لإيجاد طريقة لمساعدة العائلة، واتفقوا على إطلاق حملة لجمع التبرعات للعائلة، حيث كان مستوى الإقبال من المواطنين غير متوقع".

وبيّن أن اللحظات الأولى من إطلاق الحملة تم جمع 30 ألف شيكل من أجل ترميم منزل الشهيد العكاري، الأمر الذي شجع المواطنين والقائمين على الحملة لاستمرار جمع التبرعات من أجل مساعدة عائلات منفذي العمليات الأخرى الذين تعرضوا لهدم منازلهم أيضاً .

وأوضح أن "عدداً من العمال أكدوا جاهزيتهم لتوفير الأيدي العاملة وما يلزم من مواد البناء من أجل إعادة ترميم منزل عائلة العكاري المدمر، فيما تكفل آخرون بتوفير ما يلزم من بلاط ومواد كهربائية ودهان ومواسير وأدوات كهربائية وأثاث".

وأضاف أبو حمدان: "استمرت التبرعات حتى وصلت إلى أكثر من 100 ألف شيكل في الساعات الأولى من إطلاق الحملة، فضلاً عن جمع مصاغ ذهبي ومواد غذائية ومفروشات، وفي اليوم التالي وصل ما تم جمعه من تبرعات إلى 180 ألف شيكل"، مشيراً إلى أن "أحد المواطنين قام بالتبرع بمنزل كامل لعائلة العكاري لا ينقصه سوى التعفيش والتأثيث، حيث يعمل المتطوعون في الوقت الحالي على ذلك من أجل توفير المنزل للعائلة على أكمل وجه".

وبيّن أن "جميع فئات المجتمع يتبرعون بما يملكون، وحتى الأطفال يجلبون لنا حصالاتهم، فيما النساء تتبرع بمصاغهن الذهبي"، مشدداً على أن "ما يتم جمع لن يكون لعائلة العكاري فقط، بل سيخصص لمساعدة كافة عائلات منفذي العمليات البطولية التي تعرضت منازلها للهدم".

وفي موازاة ذلك، أطلق ناشطون من مدينة نابلس عبر موقع الفيسبوك حملة لإعمار المنازل المدمرة والمهددة بالهدم في المدينة.وعبر صفحتهم "حملة الاعمار لمنازل الأحرار" أعلنوا انطلاق الحملة الأحد الماضي .

وأوضح القائمون على الحملة أنها ستستمر لمدة أسبوع, حيث سيوضع صندوق زجاجي لجمع التبرعات يومياً في مكان محدد، وسيتم فتحه نهاية اليوم في منزل أحد الشهداء والإعلان عن المبلغ وتسليمه للعائلة المستهدفة.

كما أكدوا أن الهدف من الحملة هو جمع التبرعات بهدف إعادة إعمار أو شراء بيوت جديدة للأبطال الذين هدمت منازلهم, وسيلحقها حملة أخرى لتأثيث تلك المنازل في المرحلة المقبلة .

وكانت قوات العدو الصيهوني قد أقدمت على هدم أربعة منازل لمنفذي عملية "ايتمار"، والتي أدت إلى مقتل مستوطن وزوجته في الأول من تشرين الثاني الماضي حيث كانت شرارة بدء الانتفاضة، وهم سمير الكوسا وراغب عليوي وكرم المصري ويحيى الحاج محمد، الأمر الذي أدى إلى تشريد ساكنيها من نساء وشيوخ وأطفال، عدا إلحاق أضرار جسيمة بالشقق السكنية والأبنية المجاورة للمنازل المهدمة.

رسائل تحدٍ

من ناحيته، يرى زياد الحموري مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، أن "حملات التبرعات من أجل ترميم منازل عائلات الشهداء منفذي العمليات البطولية في القدس المحتلة والضفة الغربية، تدلل على تكافل المجتمع الفلسطيني وتأييده للانتفاضة والمقاومة الفلسطينية".

وقال الحموري: "هذا ما تحققه الانتفاضة من تلاحم مجتمعي عندما يتعلق الأمر بإجراءات عقابية تتخذها سلطات الاحتلال بحق من ناضل ودافع عن شرفه وعرضه ومقدساته، وبالتالي كان الرد من قبل الفلسطينيين هو تعزيز صمود تلك العائلات".

وبين أن "حملات التبرعات تحمل رسائل قوية للاحتلال، تفيد بأن كافة الإجراءات العقابية سيتم التصدي لها، وأن المواطنين لن يسمحوا لكافة هذه الإجراءات بأن تعيق تقدم الانتفاضة أو تئدها".

ولفت الحموري النظر إلى أن "حملات التبرعات ستشمل كافة العائلات التي هدمت منازلهم بسبب أبنائهم الشهداء منفذي العمليات البطولية"، داعياً السلطة الفلسطينية "لاتخاذ خطوات إيجابية مماثلة لتعزيز صمود المقدسيين وعائلات منفذي العمليات وتوفير مساكن خاصة لهم".

وتنتهج قوات العدو سياسة عقابية بحق أهالي منفذي العمليات البطولية، حيث تتعمد اقتحام منازلهم وتخريب محتوياتها، وفي النهاية تعمد إلى هدمها وتخريبها، في محاولة لوأد الانتفاضة ووقف العمليات الفدائية وردع من يفكرون بالقيام بها.

المصدر: وكالات