دقائق مرت لم يخترقها سوى صوت أمواج البحر التي لا تكف عن الهدير، حتى جاء أحد المارّة وتنبه لحالهم قرب القارب الراسي على شاطئ مدينة دير البلح، فاتصل بالإسعاف فحضرت على الفور، وبدأ المسعفون العمل ونقلهم لعيادات الطوارئ.

 

ورغم أن التفاصيل السابقة لم تكن حقيقة وإنما مناورة قريبة جداً من الواقع الذي يتعرض له سكان قطاع غزة على شاطئ البحر؛ إذا قصف الاحتلال المصطافين العزل أو من ركبوا البحر من المدنيين والصيادين، إلا أن الجهة المنظمة للمناورة لم تترك أدق التفاصيل إلا ورسمتها بدقة لإفادة طاقم من المتدربين على إسعاف المصابين من الانفجارات.

 

وكانت منظمة "أطباء العالم-فرنسا" بالتعاون مع دائرة الرعاية الأولية التابعة لوزارة الصحة بغزة، أجرت ظهر الثلاثاء مناورة حيّة لإنقاذ مصابين بالرصاص وشظايا القذائف على شاطئ دير البلح استخدمت فيها كافة الوسائل المتاحة في المجتمع، وشارك فيها خمسون متدربا ومتطوعا.

 

 

 توزع المصابون والمتطوعون حسب الخطة المتفق عليها قرب الشاطئ وأجسامهم ملونة بطلاء أحمر مكان الإصابات "لون الدم"، في حين واصل الدكتور إياد أبو طير ومساعدته هبة من منظمة "أطباء العالم-فرنسا" وضع اللمسات الأخيرة على الموقف.

 

يقول د.أبو طير، إن المناورة هي لتقييم مشروع استمر طوال سنة 2013 لإخلاء مصابين في حالات طارئة أو أزمات، ومناورة اليوم يشارك فيها "المجتمع المحلي-الرعاية الأولية-الإسعاف والطوارئ بوزارة الصحة".

 

ويضيف: "مناورتنا اليوم تحاكي وجود 20 إصابة من قارب تعرض لقصف أو انفجار، فنتج عنه إصابات وحروق ونزيف وشظايا، وسيقوم المتدربون وهم من الصيادين والمزارعين ونساء بإسعافهم، وسيتصلون بالإسعاف والطوارئ في وزارة الصحة طلبا لنجدتهم، ثم تأتي عربات الإسعاف، ويفحصون الحالات ويسعفون في البداية الأخطر فالأقل خطورة لنقلها لثلاث عيادات رعاية أولية في دير البلح والبريج والنصيرات".

 

وتفترض المناورة أن المستشفى الوحيد في محافظة الوسطى "مستشفى شهداء الأقصى" يعاني من ضغط عمل كبير؛ لذا تم تأهيل طواقم عيادات الرعاية الأولية للتعامل مع تلك الحالات الطارئة بمساعدة عشرات المسعفين والمتطوعين الذين دربتهم "أطباء العالم-فرنسا".

 

أما زميلة أبو طير المشرفة هبّة، فكانت تمسك بيدها علبة الطلاء الأحمر وفرشاة، وتنثر اللون على أجساد المصابين وحول القارب، بشكل يوحي أنهم فعلاً تعرضوا للنزيف.

 

تقول هبة، إنها مسؤولة عن كل الحالات، وكذلك تقييم العمل خلال مرحلة الإسعاف والتعامل مع المصابين، كما أنها مشاركة في تقييم الإنجاز النهائي للمشروع بعد عام طويل من التدريب.

 

 

 قرب الشاطئ أنشأوا خيمة لمتابعة سير المناورة جلس فيها نقيب الصيادين، ورئيس بلدية دير البلح، ومسئولون من وزارة الصحة ويتبادلون الحديث عن تفاصيل المناورة.

 

ويؤكد د. ناهض جودة مدير الرعاية الأولية في وزارة الصحة بالمحافظة، أن أكثر ما يحتاجه المجتمع هو التعامل مع مصابي الانفجارات وإسعافهم، وأن أكثر ما يعيق عمل المسعفين هو تجمهر الناس من حولهم.

 

ويشير أن وزارة الصحة تشارك بتجهيز 3 عيادات طوارئ في دير البلح والنصيرات والبريج، وقد أمدتها منظمة "أطباء العالم-فرنسا" بمستلزمات لوجستية ودربت كثير من المواطنين.

 

أما زياد أبو غزّة، مسؤول العلاقات العامة والإعلام بالرعاية الأولية، فيقول: إن منظمة أطباء العالم-فرنسا جهزت 11 مركزا صحيا في قطاع غزة وزودتها بمعدات ومستلزمات الطوارئ.

 

ويضيف: "بعد قليل سنعيش المناورة وهدفها فحص جهوزية طواقمنا الطبية داخل المراكز وفي حالات الطوارئ والأزمات لأن سياستنا تقوم على التعاون مع المجتمع المحلي لذا ساهمنا، ونقدر تدريب أطباء العالم-فرنسا للمتطوعين، وفي المناورة سيصاب عشرون وينقلون لمراكزنا إلا إذا استدعت الحاجة الماسة نقلهم للمستشفى".

 

 

 ويرى المتطوع بلال بشير، أن دوره إسعاف المصابين لتطبيق ما تعلمه طوال سنة مضت، وذلك أمر مفيد لأن الاحتلال، ارتكب الكثير من المجازر وعجز الناس عن التعامل مع المصابين.

 

وجه بلال ملون بأثر الدماء، وهو يمثل دور مصاب سيمارس عليه الإنعاش الرئوي القلبي، وفحص ضغط الدم والنبض، وهو في المناورة تعرض لكسر في الحوض وجراحه تنزف.

 

بجواره يقف المتطوع فضل الأقرع ودوره أن يصرخ بعد إصابته بشظايا في بطنه طلباً للمسعفين الذين سيقيمون حالته ويحملوه للمركز الصحي، وإن اليوم نتاج دورات طويلة.

 

أما المتطوع محمود أبو صقر فدوره أن يرى المشهد ويتصل من هاتفه النقال بوحدة الطوارئ، وبالفعل أجرى اتصالاً وطلب النجدة واصفاً أعداد ومكان وصورة الحدث الذي أمامه.

 

 

وما هي إلا لحظات حتى سمع صوت عربات الإسعاف، وما إن وصلت حتى نزل المسعفون وهرعوا للشاطئ، في حين انطلق المتطوعون المجهزون بالإسعاف الأولي للحالات الملقاة على الأرض.

 

بدأ المصابون بالصراخ ورددوا عبارات "أسعفوني.. إسعاف إسعاف .. أنا بأموت .. أسعفني أنا أول .. بين صرخاتهم بدأ التعامل ميدانياً معهم وبدأت عربات الإسعاف نقل البقية".

 

أجرى سائق إحدى العربات اتصالاً مع وحدته وطلب مزيداً من عربات الإسعاف‘ لأن الإصابات تقارب العشرين، وبعد 3 دقائق وصلت 3 عربات أخرى وهرع المسعفون لمعاونة زملائهم فأحكموا وثاق بعض المصابين فوق الأسرة وانطلقوا بهم نحو المراكز الصحية.

 

وفي الجانب الآخر كانت المراكز الصحية المخصصة لاستقبال جرحى المناورة تعيش حالة طوارئ حقيقية دخل فيها المصابون لحجرات الطوارئ، وأسعفهم المختصون حسب حالاتهم ضمن مناورة أثارت إعجاب كل من رآها.

 

المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام