حيث ينصهر أطفالُ النكبة بأطفال العودة
خيمةٌ فلسطينية في الجامعة اللبنانية الأميركية تروي «حكاية قرية»
تقرير: هبة الجنداوي/ خاص، شبكة العودة
تصوير: مصطفى الحسين/ خاص، شبكة العودة
«خسِئت غولدا مائير.. لم يمُت الكبار ومحالٌ أن ينسى الصغار».. عبارةٌ تستوقفك في تلك الخيمة الفلسطينية، القابعة إلى جانب ثماني خيم أخرى تمثل بلدان متعددة، في الجامعة اللبنانية الأميركية بمناسبة يوم التراث العالمي.
عبارةٌ سمعناها كثيراً في الصحف، وعلى التلفاز، ومن أفواه السياسيّين والمناضلين... لكن الفرق هنا هو أنّ تلك العبارة تجسّدت بشكلٍ صادق وملموس، بين تلك الأجيال الفلسطينيّة الكبيرة والصغيرة التي اجتمعت سويّة تحت سقف خيمةِ العودة، وحملت همّ الأرض والوطن والهويّة..
حكاية قرية فلسطينية
«في أحلى من إنو ترجع للإنسان ذكريات بلدو وقريتو يللي خلق فيها وعاش فيها أجمل أيام حياتو.. أنا اليوم فرحتي مش سايعة الدنيا».. بهذه الكلمات عبرت خديجة (٧٨ عام) لـ «شبكة العودة الإخباريّة» عن شعورها في الخيمة الّتي جسدت حكاية قرية فلسطينية، من خلال وجود مسني دار الشيخوخة النشطة، الذين عرضوا العادات والتقاليد الفلسطينية بارتداء الثوب التراثي، وإعداد المأكولات الفلسطينية كالمسخن، والكنافة النابلسية، ومناقيش الصاج، وطحن القهوة على الجاروشة..
أجيال عدّة كانت هناك لتؤكّد أنّ فلسطين في قلوب الصّغير قبل الكبير رغم أنه لم يعرفها.. فعلى إيقاع الدّبكة الفلسطينية رقص أطفال فرقة البيادر رقصة فولوكلورية فلسطينية في وسط ساحة الجامعة، رقصوا بخفةٍ ونشاط، وحبّ الأرض يعتري طفولتهم الندية ليشعل نشاطهم أكثر وأكثر.
وتلك الأصوات النّديّة لأطفال «فرقة القدس» التي غنّت لفلسطين بصوتٍ يحمل شوقا كامناً، أطربت السّامعين وترجمت لهم معاني الحبّ الحقيقيّ الذي لم يخبُ رغم البعد.. أصواتهم حملت المستمعين إلى فلسطين وقدسها الأبيّة.. إلى المخيم وعذاباتِ أهله المتجدّدة باستمرار.. إلى السّلام الذي يفتقدُه أطفال فلسطين.. وإلى أيام الفدائيّة والانتفاضة على المحتل..
هذا الجوّ الفلسطينيّ زادت رونقه تلك التراثيّات والمطرّزات، والكوفيّات، والميداليّات، التي عرضتها مؤسسة جذور للتراث الفلسطينيّ في إحدى زوايا الخيمة لتعريف المتجوّلين على المطرّزات الفلسطينيّة، حيث نالت استحسان الكثير منهم. وأكّد محمد أبو ليلى مدير مؤسسة جذور «إننا نسعى لنشر الترتاث الفلسطينيّ وتعريف الناس عليه من أجل محاربة مخططات العدوّ لسرقته من بين أيدينا، ونحن شاركنا في الكثير من المعارض في عدد من المناطق اللبنانية سعياً للحفاظ على تراثنا من خطر الزّوال».
ورغم وجود ثماني خيمٍ أخرى مثّلت ثماني دولٍ عربيّة وأجنبيّة، توزعت في أنحاء الجامعة، إلا أنّ الخيمة الفلسطينيّة كانت من أروع الخيم، وذلك بشهادةِ السّفراء، والأساتذة والطلاّب الذين تفاعلوا مع الأجواء بحبّ واضح.
وفي سياق ذلك تقول الطّالبة سارة «الخيمة الفلسطينية من أجمل الخيم الموجودة في النّشاط، تعرفنا من خلالها على المأكولات والدبكة والأغاني الفلسطينية التي لم أكن أعرف عنها شيئاً.. أودُّ أن أشكر النادي الثقافي الفلسطيني في جامعتنا القيّم على هذه الخيمة، والذي دائماً ما يقوم بأنشطة رائعة وكان آخرها العرس الفلسطيني الذي أدهش الجميع.. ».
طلابٌ جمعتهم فلسطينيتهم
«كلنا من كبارنا لصغارنا كنّا حاضرين اليوم بالخيمة بكلّ قوة وكوَّشنا عالجامعة كلها بحضور هالأجيال».. بهذه الكلمات عبر فؤاد البنّا رئيس النادي الثقافي الفلسطيني في الجامعة اللبنانية الأميركية لنا عن الحضور الفلسطيني في الخيمة الّتي نظّمها النادي بمشاركة دار الشيخوخة النّشطة للمسنّين، وبيت أطفال الصمود، ومشغل جذور للتراث الفلسطيني، وأطفال فرقتي القدس والبيادر.
وأكد البنّا حرص النادي الدّائم على تنفيذ الأنشطة في المناسبات الفلسطينيّة المهمّة كالنّكبة، ويوم الأرض، وذكرى تقسيم فلسطين، ويوم الأسير الفلسطيني... ليوصل القضيّة إلى العالم أجمع.
ويقول البنّا «النادي تأسس عام ٢٠٠٤ بمبادرة من مجموعة من الشباب الفلسطيني في الجامعة من أجل تعريف الطلاب على قضيتنا، ذلك أن الكثير منهم لا يعرفون أقل شيء عن فلسطين، حتى أنّ البعض منهم يطرح علينا أسئلة غريبة بعض الشيء مثل: إنتو كل يوم بتروحو وبتيجو على فلسطين؟ منقلهم لا نحن عايشين بمخيمات، بيسألونا بعدكو عايشين بخيم يعني؟ لذلك نحن كشباب فلسطيني متعلّم من واجبنا أن ننقل لهم قضيتنا وتاريخنا وحضارتنا لأن هذا الشيء يجب أن لا يموت ويجب أن نتوارثه من جيل إلى جيل».
أطفالُ النكبة.. ناشطون
لقد كان لمسنّي دار الشيخوخة النّشطة حضور مميّز أثرى الخيمة واجتذب الحضور لعفوية نشاطهم وحيويّتهم، خاصة تلك الحاجة المسنة التي أخذت ترقص بلا انقطاع على وقع الأغاني الفلسطينية بصوت أطفال فرقة القدس.. مشهدٌ يختلط فيه جيل النكبة وجيل العودة على الأنغام الفلسطينية..
«الكل متفاجئ بالمسن معقول يرقص ويقوم بهيك نشاط.. بالنسبة للمسنين بالدار عنا، أي مناسبة فلسطينيّة بشاركو فيها هيّي رجعة لفلسطين وأيامها ولياليها بالنسبة إلهم..» هذا ما صرّحت به سحر سرحان مسؤولة الدار لشبكتنا حول علاقة المسنين بقضية العودة، وتقول سرحان «مرة أخذناهم في رحلة إلى منطقة الرميش على الحدود اللبنانية الفلسطينية، كان شعورهم لا يُوصف لدرجة أنّهم دخلوا بضعة مسافات إلى الأراضي المحتلّة وأخذوا يقطفون الشومر والخبيزة والزعتر والجرجير.. ويقولون: نحن زرعنا أرضنا وهني هجّرونا وقطفوها، هاي المرة هني زرعوا ونحن بدنا نحصدها، هاي خيرات بلادنا نحنا.. فهم لديهم اليقين الكامل وليس الحلم، بأنهم وأبنائهم وأحفادهم سيرجعون إلى فلسطين يوماً».
وفي سياق ذلك تقول الحاجة شفيقة (70 عاماً) «انضممتُ إلى الدّار منذ 7 سنوات، وأنا أعتبرها بيتي الذي يأويني ويضمّني بحنان، نحن جميعنا أسرة واحدة.. وأوجّه رسالتي للعدوّ أنّك لن تستطيع أن تطفئ حضارتنا وهويتنا ما دمنا موجودين نحن وأبناؤنا وأحفادنا والأجيال التي ستأتي من بعدنا».
عندما ينصهر أطفال النّكبة مع أطفال العودة وتتّحد أرواحهم في بوتقةٍ واحدة، هنا لا مكان للموت والنّسيان، فروح الانتماء ستبقى في سريانها المستمر، تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل، لتبقى سيفاً في وجه من يحكم على الفلسطينيّ بتلك العبارة المشؤومة «الكبار يموتون والّصغار ينسون»!
أضف تعليق
قواعد المشاركة